روسيا تزيد هيمنتها على سورية... قوة "احتلال" فوق المحاسبة

الكاتب : ريان محمد
التاريخ : ٤ ٢٠١٦ م

المشاهدات : 2945


روسيا تزيد هيمنتها على سورية... قوة

يتكرس يوماً بعد آخر واقع الهيمنة الروسية على سورية عسكرياً وسياسياً، لينكشف أن النظام السوري سلّم الروس بشكل كبير دفة القيادة العسكرية والسياسية، عبر إدارة المعارك في معظم المناطق الأساسية، إضافة إلى الملف السياسي، عبر ضباط روس يأخذون من قاعدة "حميميم" الجوية مركزاً لهم.

وليتضح أن التدخّل الروسي لم يكن فقط عبر وجود مستشارين وفنيين وطيران حربي لمساندة قوات النظام، كما سبق وجرى الإعلان عنه، بل إن موسكو تنخرط اليوم بكافة تفاصيل الصراع السوري، ويأخذ جنودها مكانة متقدمة عن المقاتلين في صفوف قوات النظام والمليشيات الموالية له، عبر وجود فروقات كبيرة بينهم.
وعلى الأرض يبدو الواقع أكثر إيلاماً بالنسبة لمقاتلي النظام الذين خدموا تحت إمرة عسكريين روس، فقد تحدث لـ"العربي الجديد" مقاتلون شاركوا في المعارك التي شنّها الروس وقوات النظام خلال الأسابيع الأخيرة على مواقع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في بادية تدمر الشرقية، قائلين إنه "عقب المعارك الأخيرة نستطيع القول إننا تحت الاحتلال الروسي، فما عانينا منه مع العسكريين الروس، لا يذكّرنا سوى بالقصص والمسلسلات الدرامية التي تحكي قصص من خدم عسكرياً في زمن الاحتلال العثماني والفرنسي"، لافتين إلى أن "الضباط الروس لا يحترمون أحداً ويتعاملون بشكل سيئ مع المقاتلين السوريين، وكأنهم يعتبروننا عبيداً لديهم، ولا قيمة لحياتنا أبداً".
الروس أصحاب القررار:
وقال المقاتل س. ق. الذي يخدم في صفوف قوات النظام لـ"العربي الجديد" إنه "طوال فترة المعارك الأخيرة كان العسكريون الروس هم أصحاب القرار الوحيد، ولا أحد يستطيع حتى نقاشهم من السوريين، كانوا يزجون بنا في المعارك بغض النظر عن واقع المعركة، ومن يتخلّف عن الأوامر يأخذون منه سلاحه ويأمرونه بالتقدّم من دون سلاح، كما يهددون من يتراجع ولا ينفذ الأوامر بعقوبة الإعدام الميداني بتهمة مخالفة الأوامر العسكرية ضمن المعركة".
ولفت إلى أن "شعوراً بالدونية كان يرافقنا طوال تواجدنا مع العسكريين الروس، بدءاً من اللباس الذي يقتصر على بدلة عسكرية وبوط وجعبة للمخازن مهترئة لدى الغالبية من عناصرنا، إضافة إلى بندقية روسية عيار 7.62 جاوز عمرها نصف قرن، أما طعامنا فقد يقتصر على بيضة واحدة ورغيف خبز طوال اليوم الواحد، خصوصاً أثناء المعارك"، مضيفاً: "هذا ما حدث معنا في تدمر، وقد جاءنا عقب أكثر من 30 ساعة من القتال علبة صغيرة من سمك التونة المعلبة من دون خبز، إضافة إلى علبة بلاستيكية من الماء الساخن للشرب، وذلك بعد العديد من نداءات الاستغاثة مع غرفة العمليات لتأمين الماء على الأقل، إذ حدثت حالات إغماء من العطش".
وتابع: "أما الجندي الروسي فيرتدي بزة عسكرية مميزة، مزودة بدرع ضد الرصاص، وخوذة مزودة بأجهزة اتصال وكاميرا أمامية وخلفية وجهاز يبث بشكل مباشر الصور إلى غرفة العمليات، كما يحدد موقعه الجغرافي بشكل دقيق، إضافة إلى منظار ليلي، ناهيك عن جعبة تحتوي على ثلاث وجبات في حافظات خاصة، وعدة أنواع من المشروبات، تُحضر بشكل سريع عبر منصب حديدي، فيه مكان مخصص لوضع حجر ناري يكفيه اليوم بكامله، وكمية من المياه تكفيه لـ24 ساعة، إضافة إلى حبوب تحتوي مركب من الفيتامينات والمقويات تؤمن له احتياجات جسده، في حين هناك مسؤولون عن تأمين إمداده بكل ما يحتاجه بشكل دائم".
لا وجود لقيمة للجندي السوري:
فيما أوضح الرقيب في قوات النظام أ. م.، أن "المشكلة الكبرى في تعامل الروس معنا هي حين يتملك الشخص شعوراً بعدم القيمة لدى قيادته، في حين تقوم الدنيا ولا تقعد إذا كان هناك أي احتمال بأن يكون الأجنبي في خطر، حيث يتم التضحية بنا جميعاً لحمايته". ولفت إلى أن "العسكريين الروس على الأرض ليسوا فقط لقيادة المعارك والتخطيط، بل هناك قوات خاصة روسية تنفذ أعمالاً قتالية على الأرض، عبر نصب الكمائن والقيام بعمليات نوعية".
كما تحدث أ. م. عن تجاربه السابقة في القتال إلى جانب القوات الإيرانية وحزب الله اللبناني، قائلاً: "لا يختلف واقع القتال إلى جانب عناصر حزب الله عن الروس، إضافة إلى أنهم لا يخفون كرههم وازدراءهم للسوريين بشكل عام واقتناعهم بأن لهم الفضل في صمود النظام، أما مع الإيرانيين فكان الوضع أفضل لجهة المأكل والمشرب حين كانوا هم المسؤولين عن إطعامنا، فنأكل مما يأكلون، لكن مع الجميع ليس للسوريين دور قيادي حقيقي في المعارك، كما أن جميعهم لا يثقون بالجيش النظامي أو المجموعات الموالية له".
ومن المؤشرات التي تدل على وجود المقاتلين الروس ضمن أرض المعركة وعدم الاكتفاء بدعم قوات النظام بالطيران الحربي والمستشارين، ما أعلنته وزارة الدفاع الروسية أخيراً عن أن عدد المواطنين الذين سينالون صفة مشارك في العملية القتالية الروسية في سورية لن يزيد على 25 ألف شخص، وفق قانون جديد، وهذا خير دليل على مستوى التدخل.
تسهيلات:
وسيشمل القانون الروسي الجديد كل من شارك في العملية داخل سورية اعتباراً من 30 سبتمبر/أيلول عام 2015. وسيحصل من سيشمله القانون على كافة التسهيلات والمعونات الاجتماعية المحددة في القانون الفيدرالي الخاص بذلك، وقد جاء في المذكرة التوضيحية المرفقة بمشروع القانون أن الدولة ستخصص 967.8 مليون روبل (نحو 15 مليون دولار) لتغطية قيمة التسهيلات المذكورة أعلاه في 2016، بحسب تقارير إعلامية.
واللافت في هذا المشروع أنه خاص بالمدنيين الروس وليس العسكريين، ما يدل على أن موسكو تستخدم مرتزقة روس في القتال داخل الأراضي السورية، في وقت لم تعلن فيه روسيا عن عدد العسكريين التابعين للقوات الروسية الذين يشاركون في العمليات العسكرية في سورية.
كما يكشف المشروع أن الروس تدخّلوا ميدانياً بشكل مبكر حتى قبل توقيع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ووزير دفاع النظام السوري فهد جاسم الفريج، اتفاقاً عسكرياً سرياً في 26 أغسطس/آب 2015، يفتح الباب على مصراعيه أمام تدخّل القوات الروسية دون حسيب أو متابعة أو مساءلة قانونية أو قضائية سورية كانت أم من أطراف ثالثة، بل وتتحمل سورية كل المسؤوليات الناتجة عن أعمال المقاتلين الروس، بحسب ما تم تسريبه من الاتفاق.
وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد، وبعد زيارته السريعة لموسكو في أكتوبر/تشرين الأول 2015، ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أشاد بالتدخّل العسكري في سورية. وقال الأسد، في تصريحات صحافية نقلها الإعلام الرسمي السوري وقتها، إن التدخّل العسكري الروسي حال دون حدوث ما وصفه بتطور مأساوي في سورية، مضيفاً أن التدخّل الروسي ساعد في احتواء "الإرهاب". من جهته، قال بوتين إن التطورات على الجبهة العسكرية في سورية ستوفر قاعدة لحل سياسي طويل الأمد تشارك فيه كل القوى السياسية والجماعات العرقية والدينية.
يشار إلى أن النظام السوري يعتمد حالياً بشكل كبير على القوات الأجنبية الروسية والايرانية ومليشيا حزب الله اللبناني، في عملياته العسكرية، وخصوصاً على الطيران الروسي الذي أظهرت معارك حلب والرقة أنه يشكّل داعماً أساسياً لأي تقدّم على الأرض، ما يجعل النظام في موقف ضعيف أمام توجهات هذه الجهات، في ظل الدور الكبير الذي يقوم به الروس في إدارة الملف السياسي في مباحثات جنيف الخاصة بالحرب السورية والتسويات الدولية المتعلقة بها.

 

 

 

 

العربي الجديد

المصادر: