وقفة مع نشطاء الداخل

الكاتب : طارق باكير
التاريخ : ١٣ ٢٠١٢ م

المشاهدات : 2557


وقفة مع نشطاء الداخل

تابعت الندوة التي قدمتها قناة (الجزيرة مباشر) قبل أيام لمجموعة من النشطاء في الداخل، وأقول منصفا، لقد أدهشني ذلك المستوى العالي في الوعي، الناضج في الطرح، الواضح في الرؤية.. لدى هؤلاء الناشطين، الذين هم من الشباب، ومتوسطي الأعمار.
وأود التوقف عند بعض المحاور التي تناولتها الندوة، ومنها أسباب ودواعي وظروف قيام الثورة، وهل هي ثورة خبز وجياع، وتحسين مستوى المعيشة والحياة ؟

 


لقد كان رأي المشاركين في الندوة أن نظام الحكم الأسدي قام من أساسه على التفرقة والتمييز بين المواطنين، وعلى محاولة مسخ شخصية الإنسان السوري، وفصله عن دينه وعقيدته وأخلاقه وتراثه، وعلى وضع قوانين للتفرقة والتميز والظلم والفساد، وحرمان المواطن الحر السوي المخلص، الذي لم يقبل الانخراط في مشروع التفرقة والتمييز بين أبناء الوطن، ولم يرض بالانحراف والفساد.. حرمانه من أبسط حقوقه، لذلك فإن الثورة قامت، وكان لابد لها أن تقوم، من أجل تحقيق العدالة والكرامة والحرية لأبناء سورية جميعا، وأن ذلك لا يمكن أن يتم إلا باقتلاع هذا النظام الفاسد الطاغي الباغي من جذوره، لأنه يمثل حكما مبنيا على الفساد، لا يمت للشعب، ولا للعصر، ولا للإنسانية وقوانينها ومؤساتها بصلة، وليست مجرد ثورة على خلل معين لسده، أو انحراف لتصويبه، أو فساد لإصلاحه .. هو نظام فاسد الجذر والجذع والغصن والورق والثمر .. أو هو نظام فاسد العظم والدم واللحم والأظافر الشعر ..
أرأيتم أوضح منها رؤية، وأحكم منها فلسفة لناشطين يتم تجاهلهم، والنظر إليهم على أنهم يحتاجون إلى من يقودهم وينظر عليهم، ويفرض عليهم التبعية والأوامر والتعليمات ؟
أما بالنسبة لموقفهم من المجلس الوطني الذي تحمسوا له، وأعلنوا أنه يمثلهم، وكانوا سببا في دعمه وإعطائه شرعية وقبولا واحتراما، فإن الآراء اتفقت على ضرورة التمسك بهذا المجلس، لأنه يشكل إطارا لابد منه، لتمثيل الثورة وحضورها في المحافل الدولية، ولدى المؤسسات والمنظمات والدول، وهم يتمسكون به بقدر تمسكهم وإصرارهم على إصلاحه، وترشيد عمله، وتحسين أدائه، وإعادة هيكلته بما يحقق له التوازن في سائر الجوانب ..
وهنا نجد أنه لابد من إضافة كلمة إلى رعاة المجلس الوطني : إن العقلية التي كنتم تديرون بها مؤسساتكم وجماعاتكم وأحزابكم، من قبل، وما كنتم تقومون به من تحزبات وتكتلات، وما تفرضون من ولاءات، وما تختارون من شخصيات هزيلة، تواليكم حد التقديس، وتدور في فلككم، وما كنتم تتبعون من ممارسات على أناس فتضطرونهم للخنوع والخضوع لإرادتكم، مما لا مجال الآن لتفصيله ..
إن ذلك النهج لن يصلح في هذا الوقت، ولا في هذا المكان، ولا مع هذه الثورة المباركة، وإنه لا سبيل أمامكم إلا أن تصلحوا أمركم، وتخلصوا عملكم، وتتجردوا في اختياركم ..
إن أحدا – حسب الظن – لم يخبر نشطاء الداخل أنه تم تعيين فلان في المجلس، لأنه يتبع لفلان ويسير في فلكه، وأن فلانا من هذه الجهة، في مقابل فلان من تلك الجهة .. وأن الحر المخلص الصادق المتجرد، لم يكن له مكان في هذا المجلس، لقد اكتشفوا ذلك بحسهم الذي أرهفته التجربة والأحداث والمعاناة، ولأنه لم يعد بالإمكان التحكم بالناس وإرغامهم على الرضى والسكوت..
لقد رفضوا هذه الممارسات لأنهم أبناء سورية الجديدة، سورية البذل والتضحية والفداء، من أجل الحرية، وإقامة الحق والعدل والإنصاف، ورفض الظلم والتسلط والهيمنة والاستبداد ..
فيا رعاة المجلس الوطني، أصلحوا أعمالكم، ووفروا على سورية الوقت والجهد، فإن كل لحظة تمر، تخلف ما تعلمون من المآسي والفواجع والكوارث، وإن سورية يراد لها الفناء، ولأهلها الإبادة، وإنهم ماضون في ذلك، وإنها اليوم تحتضر.. وهناك من يقتسمون المواقع للتحكم بالثورة، والأشخاص للتبعية لهم، والمناصب للظهور والشهرة.. أصلحوا أعمالكم أو تنحوا، حتى لا تحملوا وزر تدمير الوطن.. وليتكم تصلحون، وليتكم تقدرون!

 

المصدر: رابطة أدباء الشام

المصادر: