لله درك يا شام

الكاتب : أبو فهر الصغير
التاريخ : ٢٠ ٢٠١٢ م

المشاهدات : 10579


لله درك يا شام

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} أما بعد:

لا يخفى عليكم أيها الكرام ما للشام من فضائل وأحاديث .. أذكركم منها بما يلي:

الشام أرض مباركة || قال الله تبارك وتعالى: { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله .. }, وقد دعا لها النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة في الحديث الذي رواه ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "اللهم بارك لنا في شامِنا اللهم بارك لنا في يَمَنِنا" .. الحديث " صححه الألباني.

الشام أرض الإيمان .. أهلها ظاهرون على الحق || عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني رأيت كأن عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فأتبعته بصري فإذا هو نور ساطع عمد به إلى الشام ألا وإن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام" رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى: "المراد بعمود الكتاب في الأحاديث: هم حملته القائمون به"

وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة" صححه الألباني في صحيح الجامع.
قال إمام السنة أحمد بن حنبل: أهل الغرب هم أهل الشام.
وأيَّدَه شيخ الإسلام ابن تيمية في "فضل الشام وأهله" من وجهين:
الأول: ورود ذلك صراحةً في بعض الأحاديث.
الثاني: أن لغته -صلى الله عليه وسلم- وأهل مدينته في أهل الغرب؛ أنهم أهل الشام .. انظر رسالته الملحقة بـ "منادمة الأطلال" "ص 427"
الشام صفوة الله وأرض الملحمة || عن أبي أمامة رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "صفوة الله من أرضه الشام و فيها صفوته من خلقه و عباده و ليدخلن الجنة من أمتي ثلة لا حساب عليهم و لا عذاب" صححه الألباني في صحيح الجامع.
وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم قال: "فُسطاطُ المسلمين يوم الملحمةِ بـ"الغوطة"، إلى جانب مدينةٍ يُقال لها: "دمشق"؛ من خيرِ مدائنِ الشامِ".
وفي رواية ثانية قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم يقول:
"يومُ الملحمةِ الكبرى؛ فُسطاطُ المسلمين بأرضٍ يقالُ لها:"الغوطة"، فيها مدينةٌ يقالُ لها "دمشق"؛ خير منازِل المسلمين يومئذٍ".
قال الشيخ الألباني: الفُسطاط بالضم والكسر، المدينة التي فيها مجتمع الناس، وكل مدينة.
وقال الشيخ عبد القادر أرناؤوط: هي الخيمة والحصن ..

وتاريخ الشام حافلٌ بالانتصارات .. والحق أن الإسلام ما انتشر في الأرض حق الانتشار إلا حين كان في الشام حيث كانت من أرض الشام تُسيّر الجيوش لفتح المشرق والمغرب ورفع راية لا إله إلا الله, ولطالما سطر أهل الشام أروع صفحات البطولة والجهاد هُزم فيها المغول والتتار, واندحر فيها الصليبيون, واليوم بفضل من الله عزّ وجل أدهشوا العالم في جهادهم ضد النصيريين والمجوس أذناب اليهود, هذا النظام الذي يدعمه أمم الكفر في الأرض ..

قد خرّجت الشامُ العلماءَ والزهادَ والصالحين ما لا يكاد يحصى ومازال أهل الأمصار يغترفون وينهلون من علمهم .. منهم إمام أهل الشام الأوزاعي, وإمام أهل الحديث المزي, وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه البار ابن القيم, وشمس الإسلام الذهبي, ومفسر الأمة ابن كثير, ومؤرخ الشام ابن عساكر, وعظيم الشام النووي ..

ومازالت الشام تخرّج الفحول النجباء .. منهم الشيخ جمال الدين القاسمي, وفقيه الأدباء وأديب الفقهاء الشيخ علي الطنطاوي, والإمام عبد القادر بن بدران, والعلامة محمد بهجت البيطار, والعلامة النحوي عبد الغني الدقر, ومحدث العصر الإمام محمد ناصر الدين الألباني, ومحدث الشام عبد القادر الأرناؤوط, وشيخ القراء كريم راجح, والشيخ عبد العزيز عيون السود, وأسد السنة وإمام أهل الشام الشيخ عدنان بن محمد العرعور ..

لله درك يا شام التوحيد والإيمان .. يا شام الإباء .. يا شام العز والكرامة .. ففي ثورتك اليوم يرفع المسلمون رؤوسهم - بعد غفلة هي إلى ذهاب ! - .. لأنك يا شام شامخة بالإيمان بلا إله إلا الله .. فمازلت تكبرين: الله أكبر الله أكبر .. مازلت معتصمة برب العالمين: يا الله ما لنا غيرك يا الله ..
بُثَّت روح الجهاد في شباب الشام , بل حتى في فتيانها وغلمانها, يطلبون الشهادة, وقصص البطولات تُسطر في الكتب الضخام من جهاد المجاهدين الأشاوس, يعيدون لنا مجد خالد وسعد والمثنى والقعقاع, يذكّروننا ببدر والخندق والقادسية واليرموك, وستبقى الشام حاملة اللواء إلى آخر قطرة دم, وكأن الشام تقول - وقد أثخنتها الجراح وما من شبرٍ في جسمها إلا وفيه طعنة وكَلْمٌ يدمى - : أنا منصورة بعون ربي أنا منصورة بعون ربي .. أنا على الحق وهم على الباطل .. قتلاي في الجنة وقتلاهم في النار !

ليت لي لسان البلغاء ويراع الأبيِناء لأسطر لكم بمداد من القلب أيامًا نعيشها على ما فيها من الجراح والآلام فيها من العزة بالله ونشوة الإيمان ما لو سقيت به صحاري الدنيا لصارت جنة خضراء, ما لو مزجت ببحار الدنيا لصارت عذبًا فراتًا .. ليتكم ترون أبناء الشام في توادهم وتراحمهم, يشدون عضدهم ببعضهم, الجار يقسم رغيفه وبيته وأمواله, تتذكر فيها حياة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وسلفنا الصالح, هذه مدينة منكوبة ترسل لأخرى الإغاثات من الطعام والأدوات الطبية !! نعم مدينة منكوبة تساعد أخرى؛ نعيش هذا الأمر لا نقرؤه !! فضل ونعمة من الله وحده !

ونحن – بإذن الله – على العهد باقون, وبالله معتصمون, ونقول:


تالله ما التاريخ يهزم دعوة                        يومًا وفي التاريخ برُّ يميني
ضع في يديَّ القيدَ ألهب أضلعي      بالسوط ضع عنقي على السكين
لن تستطيع حصار فكري ساعة                  أو نزعَ إيماني ونورَ يقيني
فالنور في قلبي .. وقلبي في يدي ربي            وربي ناصري ومعيني
سأعيش معتصمًا بحبل عقيدتي             وأموت مبتسمًا ليحيا ديني
ليحيا ديني ..
ليحيا ديني ..

 

وستبقى الشام - كما كانت - ترغم أنوف أمم الكفر, ودولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة, الملاحم في الشام وعيوننا إلى الأقصى وروما بإذن الله تعالى !! ولله الأمر من قبل ومن بعد.
نعم .. عيوننا إلى الأقصى وروما؛ واذكروا معي هذا الحديث: عن أبي قبيل قال : كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاصي و سئل أي المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية ؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق ، قال: فأخرج منه كتابا قال : فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي المدينتين تفتح أولا أقسطنطينية أو رومية ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مدينة هرقل تفتح أولا . يعني قسطنطينية ". [ السلسلة الصحيحة ]
قال الشيخ الألباني: و ( رومية ) هي روما كما في " معجم البلدان " و هي عاصمة إيطاليا اليوم.
وقد تحقق الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثماني كما هو معروف ، و ذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح ، و سيتحقق الفتح الثاني بإذن الله تعالى و لابد، و لتعلمن نبأه بعد حين. و لا شك أيضا أن تحقيق الفتح الثاني يستدعي أن تعود الخلافة الراشدة إلى الأمة المسلمة، و هذا مما يبشرنا به صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث: " تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، فتكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ، ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت " [ السلسلة الصحيحة: رقم: 5 ] .. بتصرف يسير من السلسلة الصحيحة.

اللهم يا ذا الجلال والإكرام نصرًا مؤزرًا من عندك يا قوي يا متين .. اللهم عزَّاً تعز به أهل الإيمان وذلّاً تذل به الكفر والطغيان, وصلى الله وسلم على نبينا محمد, والحمد لله رب العالمين.

 

كتبه
أبو فهر الصغير
غوطة دمشق || دوما

 

المصادر: