كورونا.. عائلات السجناء السوريين في مواجهة فيروس الصمت

الكاتب :
التاريخ : ١٧ ٢٠٢٠ م

المشاهدات : 1922


كورونا.. عائلات السجناء السوريين في مواجهة فيروس الصمت

في وقت يستحيل فيه على السوريين معرفة الخسائر الحقيقية لوباء كوفيد-19 في بلدهم فإن العديد من العائلات في المنفى تزداد قلقا على أحبائها الذين تعتقد أنهم محتجزون في سجون النظام السرية، خوفا من أن يستغل الجلاد فرصة الوباء لتصفيتهم.

وفي تحقيق لصحيفة لوموند الفرنسية، وصف الكاتب آنيك كوجان ما عاشه هؤلاء اللاجئون -في أي بلد كانوا- من رعب وقصف ودمار ودموع ومطاردة ونفي وموت أصدقاء وأقارب وأحباب، وما عانوه في رحلة اللجوء من إذلال وتحرش وابتزاز.

لم يبق لهم سوى ذكريات ومرارة وصدمة، ومن قبلوا منهم التحدث مع الصحيفة كان لديهم كلهم أمل يعيشون من أجله وهو في نفس الوقت ينغص عيشهم، إنه زوج أو أب أو ابن أو عم خلفوه وراءهم بعد أن اعتقلته شرطة النظام السوري واختفى دون أن يعرفوا عنه شيئا.

آلاف الأسئلة بلا إجابة

وقال الكاتب إن هناك الآلاف من الأسئلة بلا إجابة بشأن هؤلاء المفقودين الذين يعتقد أنهم اعتقلوا من قبل النظام، حيث لا معلومات ولا لوائح اتهام ولا حتى أدنى إجراء، ولا يوجد عنوان يذهب إليه أحد، ولكن مجرد ظن أنهم سجنوا في مراكز التعذيب التي وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها "مسالخ بشرية".

ولا يوجد شيء يستطيع أحد القيام به كما يقول الكاتب، لا يوجد إلا الصمت، وكأن المفقودين تم مسحهم من جميع السجلات الرسمية ومن على وجه الأرض، وهم لا يقلون عن 83 ألف شخص حسب تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان التي توثق كل حالة.

أما الآن وقد بعث فيروس كورونا قلق عائلات هؤلاء المنسيين فإن قصصا متداولة داخل سوريا وخارجها تثير فيها الخوف وتجعلها تتخيل مذبحة في شبكة السجون ومراكز الاعتقال السورية الرسمية والسرية التي لا أحد يحق له أن يزورها.

وهكذا -يقول الكاتب- اتصلت بنا زوجات وأمهات وأخوات وبنات أخوات للمفقودين، للتعبير عن ذعرهن وللفت الانتباه إلى مصير المعتقلين السريين، وذلك في أعقاب دعوات وجهتها 43 منظمة غير حكومية لإطلاق سراح السجناء السياسيين تحسبا لانتشار كورونا، وفي أعقاب مطالبة مبعوث الأمم المتحدة بإجراءات عاجلة لتوفير الرعاية الطبية والحماية في جميع أماكن الاعتقال.

وتحذر المحامية أمل الناسين رئيسة مركز "هيلينغ أند أدفوكسي" الذي يقدم الرعاية لأسر اللاجئين من أن السجناء "هم الحلقة الأكثر ضعفا"، ومن الواجب "منع بشار الأسد من استغلال فيروس كورونا سلاحا جديدا في الحرب".

50 سجينا في 24 مترا مربعا

وتقول أمل إن السجناء يعيشون في سجون نتنة ومزدحمة وبدون تهوية، حيث يحشر خمسون منهم في زنزانات مساحتها 4×6 أمتار، لا تكاد تسعهم جالسين وينامون فيها بالتناوب، مضيفة أن هؤلاء لن يقاوموا فيروس كورونا، وسيتوفون بالمئات ويختنقون دون أدنى رعاية "لأنه لا يمكن أن يتوقع من الجلادين الاهتمام بصحة ضحاياهم".

وأشارت المحامية إلى أن هناك 45 حالة تم الإعلان عنها في أوائل مايو/أيار الحالي وثلاث وفيات فقط، وأنه لا أحد يصدق هذه الأرقام، وبالتالي فإن عائلات المختفين ترتجف خوفا من أن يتحول وباء كوفيد-19 إلى حليف للرئيس السوري للقضاء على السجناء المصنفين "معارضين".

"سيكون الأمر مؤلما" كما تعلق المحامية، مضيفة "إذا كان هناك وقت نحتاج فيه إلى المساعدة من بقية العالم فهو الآن، الآن وقد أغلق كورونا الحدود ووضع شعوب العالم في الحجر وأرقهم الخوف من الموت، يجب أن يفهموا ما يمر به المعتقلون السوريون، وأن تلهمهم هذه الظروف التضامن معهم".

وفي هذا الجو القاتم -كما يقول الكاتب- تتحول عودة سجين معتقل مفرج عنه إلى مبعث للألم، حيث يجتمع اللاجئون لسؤاله "هل قابلت هذا الشخص وذاك؟ هل سمعت عنه؟ ما مدى احتمال بقائه على قيد الحياة؟ وهو في معظم الأحيان لا يعلم شيئا".

وهكذا يستمر الانتظار ويبقى الأمل قائما، وتتساءل زوجة الصحفي جهاد أسعد محمد الذي اعتقل في دمشق عام 2013 باستنكار: هل سيقتل كورونا هؤلاء الذين قاوموا التعذيب بكل أشكاله؟

إن هذه الفكرة -كما يقول الكاتب- تنسف كل أمل تبقى لديها بعدما قامت بحملات واستنهضت منظمات، واتصلت بمنظمتي العفو الدولية و"مراسلون بلا حدود"، وحاولت شراء المعلومات من المسؤولين، دون أن تجد أي أخبار عنه.

ونفس المعاناة عاشتها بسمة (55 سنة) التي لا تزال تأمل أن يكون ابنها الوحيد الذي اعتقل عام 2013 على قيد الحياة، بعد أن علمت أنه كان في سجن صيدنايا الرهيب، واستطاعت رؤيته لبضع لحظات محاطا بالحرس، وهي تبكيه وهي في جزيرة كوس باليونان.

وتقول بسمة "عندما أردت العودة إلى السجن كان اسمه قد شطب من جميع القوائم، غير موجود في هذا العنوان، لا أحد يعرف مكانه بعد ذلك"، وبحثت عنه وحاولت التقرب من الضباط وشراء المعلومات، حتى أنها أعطت خاتم زواجها كما باع آخرون منازلهم ليحصلوا على شيء في سوق المعلومات الكاذبة والفساد المستشري.

الموت بالسكتة القلبية

وفي هذا المناخ -كما يقول الكاتب- قد تصل شهادة الوفاة إلى العائلات ذات يوم كما حدث في عام 2018 عندما أرسلت عدة مئات من الوثائق تشير إلى وفاة أشخاص مفقودين بتاريخ 2013، وغالبا بـ"السكتة القلبية".

ومع ذلك -كما تقول الباحثة سارة كيالي في هيومن رايتس ووتش- هذه الأخبار مروعة، ولكنها لا تدمر الأمل لأنها قد تكون غير صحيحة، حيث ظهر سجين بعد عام من إعلان وفاته وبعد ست سنوات من موته المفترض، ولكن كورونا مصدر جديد للقلق.

وأشارت الباحثة إلى أن مرسوم العفو الجديد الذي نشرته دمشق في 22 مارس/آذار الماضي لن يكون هو الذي سيريح أهالي المختفين لأنه "مجرد ذر للرماد في العيون"، وهو -حسب رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني- "محاولة كئيبة لطمأنة الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في سياق الوباء".

وقال الدكتور مثنى -وهو سجين سابق يعيش الآن في برلين- إنه مع كورونا "من حق العائلات أن تخاف، لأن الأسد أسوأ من الإيرانيين الذين أفرجوا عن آلاف السجناء تحت ضغط من كورونا، هو لن يفعل شيئا، بل قد يجد هذه فرصة للتخلص من جميع المنشقين".

وختم الكاتب بأن تقريرا حديثا من منظمة غير حكومية كشف عن ضعف النظام الصحي لسوريا وانخفاض عدد المستشفيات العاملة والافتقار الشديد إلى الأطباء والممرضين بعد فرار 70% من أطقم الرعاية الصحية إلى الخارج، ومقتل 669 منهم على يد النظام، 83 منهم تحت التعذيب.

المصادر:

الجزيرة نت