إلى مرابط أخير

الكاتب : أحمد أبا زيد
التاريخ : ٢٨ ٢٠٢٠ م

المشاهدات : 2278


إلى مرابط أخير

هي ذي تنهدم المدن، قد تنكسر رؤوس الساكنين تحت الإسمنت، أو قلوبهم في شرود الشوارع، وقد تذهل مرضعة عمّا أرضعت، ولكن لا تنذهل النار عن البيوت، ولا أنت عن الخندق.

ها أنت لم يبق سواك، تدرك معنى البسمة في الوجوه، والدمع على الأرصفة، والدفء الحميم لانغراس القدم في الطين، تراقب انهيال النار على الأرض، ويزورك في الليل الشك، يسائلك الصمت عن الجدوى، ولكنك تبقى كما أنت.. مقاتل.

وسّد الآن رأسك، فوق ذراع أخيك المسجى، هذي الأرض لك، والسماء سماؤك، وصوت رياح الليل يناجيك، والمدى -بالعتمة والضباب- أوضح من نهارات المدن، وتصلي بالطلقة والزند ما لا يعرفه الأئمة الآمنون، تتحرك خلف الذكرى أسماء الإخوان، وتحسّ جفاف حُبيبات تراب القبر، كم تركوك بين وهاد الأرض وراحوا، ها أنت وحدك في الحرب، إلا من ميت يغسله الدم، أو ميت عمّا قليل، ولكنك حيّ.

ما أحلى هذا الطين، وما أبهاك في خشوع الخراب الكبير، أحببناك قريباً، وأكثر حين تركناك، ولم تتوقف عنّا حباً وعتباً وحرباً، يا ابن المدن المغبرّة، والشوارع العطشى لخطواتِ الشباب، وسوالفِ الشيّاب النازحين منذ انكسار العين، يا لهفة البيوت للأهلين، ورفيقَ الحجارة المنتثرة، وأنيسَ المتبقي من ظلال.

أُنبيك بسرّ تدركه، وحدتك الليلةَ ثمّةَ.. ليست تلك الغربة، حياة الهانئين غربتك الكبرى، مراجعة الهجرة وتلمس ثغرات الحدود، مصافحة أيدي الشباب الملساء، الندمُ على ما وجبَ ولم يكن، أن تفقد خيار الموت فتفقدَ الحياة لونها ومعناها، وألا تتذكر طريق قبور الراحلين بعدما رحلت عنهم، وتزورك في أحلام الليل الأرض، احذر أن تصبح الأرض حلماً، سيكون العمر هباء.

ها أنت في العاصفة حيث تتوه العقول، فاعتمد القلب، لا تنتظرْ أحداً، ولا تصدق الدول والقادة باللباس النظيف، قد يقنعك اليأس، ولكنك أمل الخيام والذاكرة، يا ابن الصرخة الأولى، ويا حارس هذا الزمان المكان الأخير.

المصادر:

قناة الكاتب على تلغرام