كذبة أستانة

الكاتب : بشير البكر
التاريخ : ١٦ ٢٠١٩ م

المشاهدات : 2292


كذبة أستانة

ينذر الهجوم الروسي على ريفي حماة وإدلب بنهاية قريبة لاتفاق أستانة الذي تم توقيعه في منتصف سبتمبر/ أيلول 2017 ، وحدّد حينذاك أربع مناطق لخفض التصعيد، تتوزع في ريف دمشق وحمص ودرعا وإدلب من أجل التمهيد لعمليةٍ سياسيةٍ تفضي إلى حل بين السوريين. ولكن هذه المناطق سقطت تباعا بيد الروس الذين لم يحترموا الاتفاق، وتراجعوا عنه خطوة خطوة، من أجل إعادة تأهيل النظام السوري وتمكينه من حكم سورية. وتدل المؤشرات الراهنة على أن المعارك الحالية التي بدأت في ختام جولة أستانة 13 ربما تشكل آخر مرحلة على طريق تصفية اتفاق استانة في صورة كلية، من خلال توجيه ضربة قاضية إلى اتفاق سوتشي الذي تم توقيعه في 18 سبتمبر/ أيلول الماضي بين الضامنين، التركي والروسي. ونص الاتفاق حينذاك على إنشاء منطقة منزوعة السلاح بين النظام والمعارضة في محافظة إدلب، لتجنّب الحرب في تلك المحافظة التي يتجاوز عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة. ونص الاتفاق على أن تتولى الإشراف على المنطقة دوريات روسية تركية مشتركة، إلا أن الروس سرعان ما لحسوا الاتفاق، كما في المرات السابقة، وشرعوا في عملياتٍ عسكريةٍ تهدف إلى تهجير أهالي المنطقة، والقضاء على الفصائل العسكرية التي رفضت التسويات والمصالحات مع النظام
ويمكن اليوم تسجيل حصيلة لاتفاق سوتشي في نقطتين أساسيتين: الأولى، شن الروس حرب تدمير شاملة على ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، وتم تهجير أكثر من مليون ونصف المليون من أهل هذه المناطق. وشملت الحرب التدميرية كل المرافق الحيوية من مدارس ومشاف ومنشآت اقتصادية. والثانية تحقيق نتائج عسكرية متواضعة جدا، على الرغم من استخدام أسلحة جديدة ذات قدرة تدميرية هائلة، وفي الوقت نفسه، خسرت قوات النظام عدة آلاف، ولم تعد قادرة على التقدم، الأمر الذي دفع روسيا إلى أن تزج قوات روسية خاصة في المعارك الدائرة حاليا من أجل تحقيق خرق نوعي في جبهات القتال في ريف حماة الشمالي، من أجل الوصول إلى ريف إدلب الجنوبي، للسيطرة على المنطقة التي تشكل عقدة طريقي حلب دمشق وحلب اللاذقية. وإذا تحقق هذا الأمر قريبا، فإنه سيكون الإنجاز الوحيد للروس، ولكنه يظل إنجازا برسم التطورات في منطقةٍ متحرّكة يوجد فيها عشرات آلاف المقاتلين من المعارضة الذين لم يبق أمامهم سوى خيار القتال
إذا استمر الهجوم الروسي كما هو عليه من زخم، فإن سقوط مدينة إدلب بيد الروس والنظام يمكن أن يصبح ممكنا من الناحية العسكرية. وهذا يعني أن أكثر من ثلاثة ملايين سوري من أهل المدينة واللاجئين إليها مرشحون للنزوح. وفي جميع الأحوال، لن يكون مصير هذه الملايين أفضل من نحو مليونين نزحوا بين الجولتين الأخيرتين من أستانة. والمعروف أن هذه الدفعة من اللاجئين لم يكترث أحد لمصيرها، وأغلبها يعيش في العراء، وقليل منها من استطاع الحصول على خيمة، بينما تفترش الأكثرية الأرض في ظلال الزيتون، وهي مقبلة على شتاء كارثي بلا مأوى، ولا مساعدات غذائية او طبية
وكانت ورقة النازحين محل رهان أطراف دولية وإقليمية لوقف الاجتياح الروسي. وكان هناك تعويل على موقف أميركي يمنع حدوث كارثة كبيرة جدا في ظل عدم اكتراث روسيا بملايين السوريين الذين باتوا بلا بيوت، ويعيشون في مناطق تنعدم فيها مقومات الحياة
ومع نهاية "سوتشي"، تكون أستانة قد أسدلت ستائرها على واحدةٍ من أكبر الأكاذيب التي ابتدعتها الدول الضامنة، وسوّقتها عامين من أجل تسوياتٍ وصفقاتٍ خاصة بينها، وبعيدة كل البعد عن مصالح الشعب السوري الذي دفع الثمن، ولا يزال.

المصادر:

العربي الجديد