تصاعد الغضب الشعبي ضد "قسد" شرقي سوريا: اعتقالات لا تتوقف

الكاتب : أحمد حمزة، ريان محمد
التاريخ : ١٦ ٢٠١٩ م

المشاهدات : 1879


تصاعد الغضب الشعبي ضد

يتصاعد الغضب ضد ممارسات "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في المناطق العربية التي تسيطر عليها، لا سيما في دير الزور، على الرغم من محاولتها تهدئة الأوضاع وتخفيف الاحتقان بعد تظاهرات ضدها، بإطلاق عدد من المعتقلين لديها، في المقابل كانت هذه القوات تنُفذ حملة اعتقالات أخرى في محافظة الرقة المجاورة. ومع هذا التوتر القائم، دخل نظام الأسد على الخط، محاولاً استغلال الغضب الشعبي ضد "قسد"، إذ رفع شكوى لمجلس الأمن بهذا الخصوص، مُنتقداً "مذابح" هذه القوات بحق المدنيين.

وشنّت "قسد"، صباح الثلاثاء الماضي، حملة اعتقالاتٍ في مدينة الرقة ومحيطها، طالت عشرات الشبان بهدف التجنيد الإجباري في صفوفها. وقال ناشط يتحدر من الرقة، ويطلق على نفسه اسم أبو محمد الجزراوي إن "قسد واصلت، الثلاثاء، لليوم الثالث على التوالي، حملات الاعتقال في الرقة وريفها، وقامت بمداهمة عشرات المنازل في حي الفردوس بمدينة الرقة واعتقلت عشرات الشبان والرجال بهدف التجنيد الإجباري في صفوفها"، مضيفاً أن حملة الاعتقالات في الفردوس، تزامنت مع حملة ثانية طالت منطقة مزرعة القحطانية الواقعة شمال غرب الرقة.

وقالت مصادر محلية أخرى إن قوات الأمن التابعة لـ"قسد" قامت أيضاً بحملة اعتقالات في مدينة تل أبيض الواقعة في ريف الرقة، وشملت عشرات الشبان. وكانت "قسد" قد شنّت، الاثنين الماضي، حملة اعتقالات في العديد من القرى في ريف الرقة، من بينها قرى الرويان والعجاج، وذلك ضمن حملةٍ واسعة تهدف من خلالها لتجنيد شبان المنطقة ضمن صفوف قواتها، وذلك بعدما أصدرت "الإدارة الذاتية" التابعة لها، الأحد الماضي، تعديلاً على "قانون التجنيد" الخاص بها، في مناطق سيطرتها، شمال شرق سورية، وحدّدت فيه المطلوبين للتجنيد من مواليد عام 1990، وحدّدت مبلغ ستة آلاف دولار للمسافرين الذين يرغبون بالإعفاء.

كما أفادت مصادر محلية من الرقة بأن "قوات الأمن التابعة لقسد اعتقلت، مساء يوم الأحد الماضي، عشرة أشخاص في ريف الرقة، شمال سورية، خلال حملة مداهمات شنّتها على العديد من الأحياء في بلدة الكرامة الواقعة شرق الفرات". وذكرت المصادر أن الحملة جاءت تحت ذريعة إلقاء القبض على "عملاء الجيش السوري الحر" في المنطقة، لافتة إلى أن من بين المعتقلين ثلاثة من عائلة واحدة تمت مداهمة منزلهم بشكل مباغت.
ونقلت تقارير إعلامية محلية أن عناصر من "قسد" اقتحمت منطقة المنصورة في ريف الرقة الغربي، ليل الأحد، أثناء فترة السحور، وشّنت حملة اعتقال بحق العديد من الشبان، لم يُعرف عددهم، وذلك بعد مقتل عنصرين يتبعان لأحد حواجز "قسد" في المنصورة على يد مجهولين. وتشتد حملات اعتقال أهالي الرقة عقب كل عملية تفجير أو اغتيال تتم في المنطقة، بتهم جاهزة مثل "العمالة" للفصائل المسلحة المعارضة أو قوات النظام أو تنظيم "داعش"، إضافة إلى اعتقال الشباب بهدف إلحاقهم بما يُطلَق عليه "الدفاع الذاتي"، الأمر الذي يثير القلق الدائم بين الأهالي.

وكانت الرقة قد شهدت منذ قرابة أربعة أشهر تكرار عمليات انفجار العبوات الناسفة والسيارات المفخخة ضد "قسد" والأجهزة الأمنية التابعة لها في شمالي شرقي سورية، والتي طاولت أحياناً مدنيين، في وقت تبنّى "داعش" بعضاً منها. ويعيد ناشطون أسباب توتر الأوضاع الأمنية في الرقة، إلى عدم قيام الأكراد بإشراك العرب في إدارة مناطقهم بشكل فعلي إلى اليوم، إضافة إلى أن المنطقة ما زالت منطقة متنازعاً عليها، والعديد من الأطراف تحاول فرض سيطرتها عليها.

وقال الناشط الإعلامي صهيب اليعربي إن "الاعتقالات في مدينة الرقة كلها تقريباً تأتي تحت ذريعة التواصل مع داعش أو الجيش السوري الحر، وخلال الأيام الماضية اعتُقل في الكرامة 13 مدنياً، وفي جديدة كحيط 12 مدنياً، على خلفية انفجار العبوات الناسفة، كما اعتقلوا في الرقة كل من هويته من دير الزور بحجة عدم وجود كفيل، والأسبوع الماضي نقلوا 30 شخصاً من أبناء دير الزور إلى مخيم عين عيسى، بعدما تم اعتقالهم على حاجز المشلب بذريعة عدم وجود كفيل".
وأوضح أن "حواجز قسد على مدخل مدينة الرقة، تقوم بتوقيف من هم ليسوا من أبنائها، وتُصادر بطاقاتهم الشخصية حتى يعودوا إلى الحاجز ويغادرون إلى مناطقهم، خصوصاً أبناء دير الزور، أما من هم في الرقة وليسوا من أبنائها فيتم احتجازهم".

ولفت اليعربي إلى أن "مدة الاعتقال تختلف من شخص إلى آخر، وهناك أشخاص مضى على اعتقالهم أكثر من شهر ولم يُفرج عنهم بعد، وهناك من يتم اعتقاله لأيام ويخرج"، معرباً عن اعتقاده بأن "أحد أسباب هذه الاعتقالات يعود إلى وجود مخاوف لدى قسد من اتساع رقعة التظاهرات والاحتجاجات المناهضة لها، ما يدفعها للعمل على عزل الرقة عن دير الزور، والدير عن الحسكة، وهكذا". وأوضح أن "الاعتقالات تتسبّب بمعاناة للأهالي، فتجد أغلب الناس تحاول أن تطمئن على أبنائها، إما عن طريق قريب لها يخدم كمجند إجباري أو متطوع، أو حتى صديق في قسد، فيما توجد شبكات من الفساد مرتبطة بهذه المسألة، إذ يضطر بعض الأهالي لدفع مبالغ مالية للإفراج عن معتقليهم، وتختلف قيمة المبلغ بحسب التهمة أو القضية، فقد يدفع البعض 50 ألف ليرة سورية (نحو 97 دولاراً) لإخراج معتقل، وقد يدفع 200 دولار أميركي لإطلاق شاب معتقل بهدف سوقه إلى الخدمة العسكرية، أما المتهمون بانتمائهم إلى داعش، فيصبح الحديث عن خمسة آلاف دولار أميركي لإطلاقهم وقد يصل الـ12 ألف دولار".
وأعرب اليعربي عن اعتقاده بأن "هذه الاعتقالات سوف تزيد من حجم الخلاف بين المدنيين وقسد، خصوصاً مع تنامي الوعي لدى الأهالي، وعدم قبولهم بحكم السيف كما كان عليه الحال خلال فترة سيطرة داعش على المنطقة". وتابع "أما الاعتقالات بالنسبة لقسد، فهي بهدف تكريس مفهوم القبضة الأمنية القوية، وهي تكرر تجربة النظام وأساليبه من خلال الحكم بقوة السلاح وإرهاب المدنيين وكسر عزيمتهم".

ولفت اليعربي إلى أن "لا إحصائية دقيقة عن عدد من اعتقلتهم قسد، إلا أن هناك اعتقالات يومية، وهذه الاعتقالات لا توجد فيها أحكام أو محكمة، وخروج المعتقلين متعلق بالتحقيقات وطبيعة التهمة، وهناك من يتعرض للمحاكمة، وقد صدرت أحكام بالسجن من ستة أشهر إلى سنة"، مشيراً إلى أن "عدد المحكومين تجاوز الألف شخص، وبالنسبة لحالات الاعتقال الأخرى فإن حزب الاتحاد الديمقراطي يعتقل يومياً ما بين 6 إلى 10 أشخاص، بين الريف والمدينة، منهم من يخرج في اليوم نفسه ومنهم من يتعرض للتوقيف أسبوعاً أو أكثر بحسب التهمة". وأضاف "حتى من يخرج، خصوصاً المتهمين بالانتماء إلى داعش، يبقون تحت المراقبة".

من جهته، قال ناشط في الرقة، طلب عدم الكشف عن هويته، إن "مستقبل المنطقة حتى اليوم يبدو ضبابياً، فيما نسبة كبيرة من الأهالي لديها تصوّر أن المنطقة ستُسلم لتركيا، وأن الطرف الأميركي لا يضمن قراراته المستقبلية، والناس بشكل عام تسيطر عليهم حالة الاستسلام للمصير الذي ستحمله الأيام لهم، فقد تعب الأهالي من الحرب، ولكن في الوقت نفسه يعتبرون الأكراد أفضل من إيران ومليشياتها".

مقابل ذلك، أفادت وسائل إعلام مقربة من "الإدارة الذاتية"، بأن "قسد" أفرجت عن 43 شخصاً يتحدرون من مناطق مختلفة في دير الزور، كانت قد احتجزتهم خلال حملات المداهمة التي نفذتها في الأسابيع الماضية. وحسب ما ذكرت وكالة "أنها" الموالية لـ"قسد"، فإن المُفرج عنهم "لم تتلطخ أيديهم بالدماء في دير الزور"، وتم إطلاق سراحهم "استجابة لطلب شيوخ ووجهاء عشائر دير الزور". كما أن الرئيس المشترك لـ"لجنة الداخلية" في المجلس المدني لدير الزور، التابع لـ"قسد"، باسم اللطيف، قال إن عملية الإفراج "مبادرة جاءت احتراماً وتقديراً لمطالب وجهاء وشيوخ العشائر، وثقتنا بتعهدهم وكفالتهم من جهة، بالإضافة إلى إعطاء المُفرج عنهم فرصة ليغيّروا من أنفسهم ويخدموا مجتمعهم".

من جهة أخرى، ذكرت شبكة "فرات بوست" التي يديرها ناشطون من دير الزور، أن قوات التحالف الدولي و"قسد"، وجهتا بياناً للمناطق التي تشهد احتجاجات شعبية ضد سياسات "قسد" الأمنية والخدمية وغيرها، تضمّن تعليمات للمدنيين بالامتثال للقوات أثناء العمليات الأمنية، التي تحصل. واعتبر البيان أن أي تظاهرة "مسلحة وأعمال تخريبية" هي "هجوم وإحياء لداعش من جديد".
ويأتي هذا على خلفية عملية الدهم التي شهدتها مدينة الشحيل، شرقي دير الزور، الخميس الماضي، وانتهت بمقتل ستة مدنيين على الأقل، برصاص "قسد"، وهو ما أشعل تظاهراتٍ ضد الأخيرة، تم خلالها إحراق عددٍ من مقراتها في المنطقة.

والإثنين الماضي، أصدرت عشيرة العكيدات، التي تنتشر في مناطق واسعة خاضعة لـ"قسد" في شرقي سورية، بياناً على خلفية تزايد التظاهرات، وقمع "قسد" لبعضها بالرصاص الحي، تضمّن مطالب بتسليم المناطق العربية لأهلها، وإطلاق سراح المعتقلين، مشدداً على ضرورة إيقاف الاعتقالات التعسفية فوراً، وإخلاء المخيمات من قاطنيها، ولا سيما النساء والأطفال والشيوخ. وأكد البيان استعداد العكيدات للتعاون مع قوات التحالف الدولي لتحقيق هذه المطالب، وأشار إلى امتلاك المؤهلات العسكرية والسياسية والأمنية والإدارية لتحقيقه. وصدر البيان بعد اجتماعٍ للعكيدات، في مدينة الشحيل، على خلفية مقتل عددٍ من أبناء العشيرة على يد "قسد". وقالت العشيرة إن التحقيقات أثبتت أن كل الذين تم قتلهم في الشحيل، مدنيون لا علاقة لهم بأي تنظيم.

ودخل النظام السوري على خط التوتر في المنطقة الشرقية، محاولاً استغلال الرفض الشعبي الواسع لـ"قسد" في دير الزور والرقة. ودعت رسالتان من وزارة خارجية النظام، للأمين العام للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، إلى "تحمّل مسؤولياتهما" لوقف ما وصفه النظام بـ"اعتداءات وخيانة مليشيات قسد"، معتبرة أن "مذابح مليشيات قسد في ريف دير الزور، تهدف إلى إخضاع المواطنين المطالبين بعودة الدولة السورية لممارسة دورها في تلك المنطقة".
وذكرت وكالة "سانا" التابعة للنظام، أن الخارجية وجّهت رسالتها لمجلس الأمن، ليتدخّل بوقف "المذابح الأخيرة التي تقوم بها قسد بدعم وتواطؤ من التحالف في مختلف أنحاء المنطقة الجنوبية الشرقية من محافظة دير الزور". وقالت الرسالة، حسب "سانا"، إن رد "عصابات قسد المليشياوية على مطالب المواطنين السوريين بتحسين وضع القطاع التعليمي وتوفير الماء والغذاء لهذه المنطقة الفقيرة، بالبطش بسكانها قتلاً وتدميراً لبناها التحتية، دليل واضح على الدور الدموي الذي تقوم به هذه المليشيات تنفيذاً لسياسات أسيادها في التحالف الدولي الأميركي". ودعت الرسالة مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته في ما وصفتها بـ"اعتداءات وخيانة هذه المليشيات المدعومة بشكل أساس من الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية"، و"إلزام جميع هؤلاء باحترام قرارات مجلس الأمن التي أكدت جميعها على أهمية وحدة أرض وشعب سورية والتأكيد على سيادتها واستقلالها".

المصادر:

العربي الجديد