لبنان يتأهب لقمة عربية اقتصادية وسط أجواء داخلية ملبّدة

الكاتب : إدوارد حداد
التاريخ : ١٠ ٢٠١٩ م

المشاهدات : 1746


لبنان يتأهب لقمة عربية اقتصادية وسط أجواء داخلية ملبّدة

ينهي لبنان التحضيرات لاستضافة القمة العربية الاقتصادية الشهر الجاري، وسط أجواء ملبدة، وتغيرات تشهدها المنطقة، وآمال بأن تشكل القمة "ورقة ضغط" من أجل تسريع إنهاء الفراغ السياسي بتشكيل الحكومة

وإلى جانب ما يتردد عن دعوة سوريا لحضور القمة، تعد أزمة تشكيل الحكومة، من أبرز الملفات التي ترهق السياسة اللبنانية، قبيل انعقاد القمة الاقتصادية العربية التنموية في بيروت 19 يناير/كانون الثاني الجاري

ويتزامن ذلك مع تأكيد بعض الشخصيات اللبنانية التي تتعامل مع ملف تشكيل الحكومة، أنه لا جديد على صعيد حل هذه الأزمة

وتعزو أحزاب "القوات اللبنانية" (مسيحي)، والحزب "التقدمي الاشتراكي" (درزي)، وتيار "المستقبل" (سني) سبب الأزمة الحكومية إلى موقف "حزب الله" الشيعي، وعرقلته للتشكيل، "تنفيذًا لأجندات إيرانية". 

ويتمسك الرئيس اللبناني، ميشال عون، بحصته الوزارية أي الثلث المعطل (11 وزيرًا من أصل 30)، ويرفض أن يعطي من حصته مقعدا إلى "اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين"، حليف "حزب الله". 

ويرى مراقبون أنه لن يلوح في الأفق أي حل للأزمة الحكوميّة في الوقت الراهن إلا إذا تنازل "حزب الله" أو عون

ووسط كل هذه الاجواء، يأتي موعد انعقاد القمة العربية الاقتصادية في بيروت في ظل عدم وجود حكومة، بينما يأمل كثيرون خيرًا بأن تشكل هذه القمة عامل ضغط من أجل تسريع تشكيل الحكومة

وأشار عدد من الزعماء العرب إلى مشاركتهم الشخصية في قمة بيروت، ومنهم الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، الذي أكد لنظيره اللبناني أنه سيحضر القمة

لكن هذه القمة أثارت بعض الإشكالات الداخلية؛ لا سيما مسألة دعوة سوريا لحضورها

وفي 4 يناير/ كانون الثاني الجاري، أعلن وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، أن بلاده "ليست صاحبة القرار" في دعوة سوريا إلى القمة الاقتصادية العربية ببيروت، "لكن بإمكانها المبادرة والعمل من أجل حضورها". 

ويرفض فريق "14 آذار" المعارض للنظام السوري، دعوة سوريا إلى قمة بيروت، وهدد عدد من قادته بالتظاهر، وتنظيم اعتصامات في حال حضر رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى بيروت

وحذّر أمين عام قوى "14 آذار"، النائب السابق فارس سعيد، من توجيه دعوة للنظام السوري لحضور القمة الاقتصادية

وقال عبر حسابه على تويتر: "أنتم أحرار بدعوة من تريدون.. أنتم السلطة وإذا تمت الدعوة بقرار منفرد أو بالتنسيق مع الجامعة العربية، سنتظاهر في بيروت ضدكم وضد الجامعة وضد الأسد.. (هذا) وعد". 

كما يعارض كل من تيار "المستقبل" الذي يتزعمه رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، والحزب "الاشتراكي اللبناني" بزعامة وليد جنبلاط، وحزب "القوات اللبنانية" بزعامة سمير جعجع، عودة العلاقات مع النظام السوري

في المقابل، أعلن "حزب الله" اللبناني المؤيد للنظام السوري، والذي يقاتل بجواره، في 4 يناير/ كانون الثاني الجاري عبر بيان عن كتلته البرلمانية، أن لبنان معني بدعوة سوريا للمشاركة في القمة الاقتصادية العربية التي ستنعقد على أرضه، "لما في ذلك من قوة للبنان ومصلحة استراتيجية له". 

وعلى الرغم من أن الجامعة العربية، هي من تنظم القمة وتدعو الدول، لكن هذا الأمر خلف تداعيات ستؤثر مستقبلًا على العلاقات اللبنانية الداخلية

في هذا الصدد، قال القيادي ورئيس جهاز التواصل والإعلام في حزب "القوات اللبنانية"، شارل جبور (أحد أحزاب قوى 14 آذار) للأناضول، "هناك مجموعة أسباب تحول دون تشكيل الحكومة إلا أن هناك حقيقة راسخة، وهي أن البلاد تعيش فراغًا منذ 8 أشهر". 

وأضاف: "بمعزل عن أسباب العرقلة نحن أمام أمر واقع خطير للغاية، وهو إننا في لحظة انكشاف سياسية الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من التأزم والتفريغ على كل المستويات". 

وتابع: "لذلك دعا (حزب) القوات على لسان رئيسه (سمير جعجع) بأن يشكل عون، والرئيس (رئيس الحكومة المكلف) سعد الحريري الحكومة فورًا، وليحجب عنها المجلس الثقة إذ لا يجوز ترك البلاد بلا حكومة وإلا الذهاب إلى تفعيل حكومة تصريف الأعمال". 

واعتبر "جبور" أنه لا يجوز ترك البلاد أمام خطر الانهيار الاقتصادي

من جهتها، تحمل مصادر في تيار "8 آذار" (بقيادة حزب الله) المؤيد للنظام السوري، الحريري وفريقه مسألة العرقلة الحكومية

وأشارت مصادر للأناضول إلى أنها ربحت الانتخابات البرلمانية، وسمت الحريري لرئاسة الحكومة؛ لكن الأخير يرفص الشراكة الحقيقية

وبشأن القمة العربية الاقتصادية، اعتبر جبور أنها "تفيد لبنان وتؤكد أنه في صلب المعادلة العربية، وتؤكد أن لبنان جزء من الشرعية العربية والدولية". 

ومضى قائلًا: "الكل يذكر أنه في زمن الوصاية السورية على لبنان كان ممنوعًا على بيروت الانفتاح على العالم العربي". 

وبالنسبة للعلاقات اللبنانية السورية، أوضح جبور أن هناك إعادة هندسة للمنطقة، ومن ضمنها سوريا، ولا يجب النظر انطلاقًا من حسابات داخلية صغيرة

وأردف: "لا نعتقد أن هناك وجود للنظام السوري فهناك نفوذ في سوريا التي هي ساحة تقاسم نفوذ بين الدول الكبرى". 

وارتأى أن أي انفتاح على سوريا لا يجب أن يتم انطلاقًا من مذكرات قضائية، يصدرها النظام (يقصد اتهام سوريا للحريري وجعجع بدعم الإرهاب)، وأنه على اللبنانيين أن لا يسمحوا بوجود مجموعات لبنانية تتعامل بمفردها مع النظام

وأكد أن هناك أزمة علاقات تاريخية مع سوريا، وأن أي انفتاح يجب أن يحصل ضمن تسوية متوازنة، تركز على سيادة لبنان واستقلاله واحترام خصوصيته، ويجب أن يبحث هذا الملف بشكل عقلاني للحفاظ على استقرار البلاد

في المقابل، رحبت مصادر في تيار "8 آذار" بانعقاد القمة العربية في بيروت، بما يشكل "اعترافًا عربيًا" بدور لبنان

وأعربت عن حرصها على أفضل العلاقات مع دول الجوار ضمن إطار عدم التدخل في شؤون لبنان الداخلية

ودعت المصادر لبنان إلى بناء أفضل العلاقات مع دمشق، لأنه (لبنان) لا يمكنه أن يعيش بلا جيرانه، كما طالبت بتفعيل العلاقات مع سوريا، لأن معظم الدول العربية أعادت فتح سفاراتها في دمشق

ومن المقرر أن تستضيف بيروت في 19 و20 من الشهر الجاري، القمة التنموية الاقتصادية التي تعقدها الجامعة العربية، في وقت شهدت الأسابيع الأخيرة خطوات عربية للتطبيع مع نظام بشار الأسد؛ بينها زيارة أجراها الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق، وإعلان الإمارات والبحرين عودة العمل في سفارتيهما بالعاصمة السورية

وكانت الجامعة العربية قد قررت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 تجميد مقعد سوريا، على خلفية لجوء "الأسد"، إلى الخيار العسكري لإخماد الاحتجاجات الشعبية المناهضة لحكمه

ووسط هذه الأجواء، يبقى لا تزال الأعباء المعيشية تسيطر على الوضع اللبناني، حيث يتحرك الشارع في تظاهرات مطلبية، يقول البعض إنها لأهداف سياسية وليست مطلبية خصوصًا أنها تنادي بإسقاط النظام اللبناني

وفي 3 يناير/ كانون الثاني، دعا رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان (مستقل) بشارة الأسمر إلى إضراب عام في البلاد، احتجاجًا على تأخر تشكيل الحكومة والوضع الاقتصادي المتردي

وعبرت عدة مؤسسات عامة وخاصة في مختلف محافظات البلاد آنذاك عن دعمها للإضراب والالتزام به، كما أعلنت عدة نقابات وجهات لبنانية استجابتها للدعوة بينها نقابة عمال ومستخدمي مؤسسة كهرباء لبنان، وعمال وموظفي الفنادق والمطاعم

يأتي ذلك وسط ظروف اقتصادية صعبة تمر بها البلاد، على خلفية أزمة سياسية جراء تعطل تشكيل الحكومة الجديدة، المكلف الحريري بتشكيلها، وتتبادل القوى السياسية اللبنانية الاتهامات بالمسؤولية عن عرقة تشكيلها

المصادر:

الأناضول