السُبُلُ النَّافِعَةُ في اجتماعِ الأُمَّةِ وائتِلافِها (4)

الكاتب : فايز الصلاح
التاريخ : ٢١ ٢٠١٦ م

المشاهدات : 3592


السُبُلُ النَّافِعَةُ في اجتماعِ الأُمَّةِ وائتِلافِها (4)

ومن السُبُلُ النَّافِعَةُ في اجتماعِ الأُمَّةِ وائتِلافِها أن نفهم الدين على طريقة السلف الأولين من الصحابة ومن تبعهم بإحسان من الأئمة المتبوعين، وهذا أصل عظيم من أصول أهل السنة والجماعة بل هو العلامة الفارقة والمميزة بينهم وبين أهل البدع.
وقد جاءت النصوص المتواترة المتكاثرة في الكتاب والسنة والآثار والتي تدعو إلى الالتزام بمنهج الصحابة عِلْماً وعَمَلاً.

قال تعالى: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان: 15]، قال ابن القيم في "إعلام الموقعين"(5/567):"وكلٌّ من الصحابة منيبٌ إلى اللَّه فيجب اتباع سبيله، وأقوالُه واعتقاداته من أكبر سبيله".
وقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- سنة الخلفاء الراشدين من سنته وأمر باتباعها وخاصة حين الافتراق فقال صلى الله عليه وسلم: «أُوصيكم بتقْوى الله، والسَّمعِ والطاعة، وإنْ عَبْدًا حبشيًّا، فإنه من يَعِشْ منكم بعدي فسيَرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنّتي وسنّةِ الخلفَاءِ الراشِدينَ المهديِّينَ، تمسكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجِذِ، وإياكم ومُحدثاتِ الأمورِ، فإنَّ كلَّ مُحدثَةٍ بدْعةٌ، وكل بدْعَةٍ ضَلاَلَة».
وقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- النجاة في منهج الصحابة -رضي الله عنهم- فقد قال -صلى الله عليه وسلم- في وصف الفرقة الناجية، وقد قيل له: من هي يا رسول الله؟: "ما أنا عليه وأصحابي".
والله سبحانه وتعالى قد رضي عن الصحابة وعمن اتبع سبيلهم عندما قال: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].
كما أنه قد غضب على من انحرف عن سبيلهم عندما قال: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115].
وجاءت الأقوال الكثيرة عن الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعين وأئمة الدين التي توصي باتباع الأولين، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "من كان منكم مُسْتَـنَّـاً فليستنن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- كانوا أفضل هذه الأمة، وأبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم، فإنـهم كانوا على الهدى المستقيم".
وقال أيضا: "إن الله تعالى نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، وبعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه".
وأوصى الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز بعض عماله: "أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتباع سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وترك ما أحدث المحدثون بعده فيما جرت به سنته، وكُفوا مؤنته، واعلم أنه لم يبتدع إنسانٌ بدعة إلا قدَّم له قبلها ما هو دليل عليها، وعبرة فيها. فعليك بلزوم السنة فإنه لك بإذن الله عصمة، واعلم أن من سن السنن قد علم ما في خلافها من الخطأ والزلل والتعمق والحمق، فإن السابقين عن علم وقفوا وببصر نافذ كَفُّوا، وكانوا هم أقوى على البحث ولم يبحثوا".
وقال التابعي الجليل إبراهيم النخعي: "لو أن أصحاب محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- مسحوا على ظُفْرٍ لما غَسَلْتُهُ التماسَ الفضلِ في اتباعهم".
وقال الإمام الأوزاعي لبقية بن الوليد: "يا بقية: العلم ما جاء عن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- وما لم يجئ عنهم فليس بعلم، يا بقية لا تذكر أحداً من أصحاب محمد نبيِك -صلى الله عليه وسلم- إلا بخير وإذا سمعت أحداً يقع في غيره فاعلم أنه إنما يقول: أنا خير منه".
وقال أيضاً: "عليك بآثار من سلف، وإياك وآراء الرجال، وإن زخرفوها بالقول، فإن الأمر ينجلي وأنت على طريق مستقيم".
وقال أيضاً: "ما رأي امرئ في أمر بلغه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا اتباعه، ولو لم يكن فيه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال فيه أصحابه من بعده كانوا أولى فيه بالحق منا، لأن الله تعالى أثنى على من بعدهم باتباعهم إياهم، فقال: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ}، وقلتم أنتم: بل تعرضها على رأينا في الكتاب، فما وافقه منها صدقناه، وما خالفه تركناه، وتلك غاية كل محدث في الإسلام: رد ما خالف رأيه من السنة".
وقال الإمام أبو حنيفة -رحمه الله-: "إذا صح عندنا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء لزمنا الأخذ به، فإن لم نجد عنه، ووجدنا عن الصحابة فكذلك فإذا جاء قول التابعين زاحمناهم".
وقال أيضاً: "آخذ بكتاب الله، فما لم أجد فبسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن لم أجد في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذتُ بقول أصحابه، آخذ بقول من شئت منهم، ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم".
وقال الإمام مالك –رحمه الله-: "لم يكن شيء من هذه الأهواء على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أبي بكر، ولا عمر، ولا عثمان".
وقال الإمام الشافعي-رحمه الله-: "قد أثنى الله -تبارك وتعالى- على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القرآن والتوراة والإنجيل، وسبق لهم على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الفضل ما ليس لأحد بعدهم فرحمهم الله وهنأهم بما آتاهم من ذلك ببلوغ أعلى منازل الصديقين والشهداء والصالحين أدوا إلينا سنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عاماً خاصاً وعزماً وإرشاداً، وعرفوا من سننه ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل، وأمر استدرك به علم واستنبط به، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من رأينا لأنفسنا، ومن أدركنا ممن يرضى أو حكى لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه سنة إلى قولهم إن اجتمعوا، أو قول بعضهم إن تفرقوا، وهكذا نقول ولم نخرج من أقاويلهم، وإن قال أحدهم ولم يخالفه غيره أخذنا بقوله".
وقال الإمام أبو يوسف-رحمه الله-: "إذا جاءكم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخذوا به ثم ما جاءكم عن الصحابة رضي الله عنهم فخذوا به، ودعوا أقاويلنا".
وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: "أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بـهم".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في" الفتاوى" 3/228:"وانظروا إلى عموم كلام الله - عزَّ وجل - ورسوله لفظا ومعنى حتى تعطيه حقه، وأحسن ما استدل به على معناه آثار الصحابة الذين كانوا أعلم بمقاصده، فإن ضبط ذلك يوجب توافق أصول الشريعة، وجريها على الأصول الثابتة " .
وقال أيضا في "الفتاوى" ( 19 / 200 )مبينا منزلة الصحابة في الدين: "وللصحابة فهمٌ في القرآن يخفى على أكثر المتأخرين، كما أن لهم معرفة بأمور السنَّة وأحوال الرسول لا يعرفها أكثر المتأخرين ؛ فإنهم شهدوا الرسول والتنزيل، وعاينوا الرسول وعرفوا من أقواله وأفعاله وأحواله ما يستدلون به على مرادهم ما لم يعرفه أكثر المتأخرين الذين لم يعرفوا ذلك".
وما برح علماء أهل السنة يستدلون على دينهم، وعقائدهم، بما جاء في كتاب الله عز وجل، وبما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن لم يجدوا فبما ثبت وأثرعن السلف الصالحين، من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين المعروف عنهم الإمامة في السنة والتقدم فيها، فيسلكون طريقهم ويقولون فيها بقولهم.
فانظر مثلًا إلى الإمام أبي القاسم اللالكائي وهو يوضح منهجه في الاستدلال على مسائل الاعتقاد في مقدمة كتابه "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" قائلًا: "ثم أستدل على صحة مذاهب أهل السنة بما ورد في كتاب الله تعالى فيها، وبما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن، وجدت فيهما جميعا ذكرتهما، وإن وجدت في أحدهما دون الآخر ذكرته، وإن لم أجد فيهما إلا عن الصحابة الذين أمر الله ورسوله أن يقتدى بهم، ويهتدى بأقوالهم، ويستضاء بأنوارهم؛ لمشاهدتهم الوحي والتنزيل، ومعرفتهم معاني التأويل، احتججت بها، فإن لم يكن فيها أثر عن صحابي فعن التابعين لهم بإحسان، الذين في قولهم الشفاء والهدى، والتدين بقولهم القربة إلى الله والزلفى، فإذا رأيناهم قد أجمعوا على شيء عولنا عليه، ومن أنكروا قوله أو ردوا عليه بدعته أو كفروه حكمنا به واعتقدناه".
ولقد صدق الناظم عندما قال: وكلُّ خيرٍ في اتباعِ مَنْ سَلَفْ *** وكلُّ شرّ في ابتداع مَن خَلَفْ.
والله أعلم وأحكم،والحمد لله رب العالمين،وصلى الله على سيد المتقين وآله وصحبه أجمعين.
 

 

 

 

المصادر: