المدنيون يقتلون... لماذا؟

الكاتب : نجوى شلبي
التاريخ : ٢٨ ٢٠١٦ م

المشاهدات : 2645


المدنيون يقتلون... لماذا؟

لم يعرف العرب في جاهليتهم ورغم حروبهم الدائمة فيما بينهم يوماً الاعتداء على الأطفال والنساء والشيوخ، وجاء الإسلام، وانتشرت الفتوحات، وكانت وصية خليفة المسلمين لأي قائد جيش أن لا يقتلوا امرأة ولا طفلاً، ولا يروعوا راهباً في صومعته، وكانت هذه الوصية هي المعمول بها عند المسلمين إلى يومهم هذا، أما الحوادث التي يرتكبها بعض من اندس في صفوف الجيش الحر، ومن أرسلهم النظام ومن يريد الإساءة إلى هذا الجيش فلا يجوز أبداً أن تحسب على هذا الجيش، إنّ وجود منظمات كمنظمة الأمم المتحدة والجامعة العربية وغيرها من المؤسسات التي تدَّعي حمايتها لحقوق الإنسان، وترعى هذه المؤسسات دول كبرى كالولايات المتحدة وفرنسا وغيرها ممن جعلوا أنفسهم أوصياء على شعوب العالم وأولها الشعوب العربية والإسلامية، لم تمنع هذه الدول الكبرى من أن تكون هي من يقوم بنقض هذه الحقوق، وارتكاب جرائم يندى لها جبين البشرية، والشواهد كثيرة، والذاكرة لا تكاد تستطيع إحصاء هذه الانتهاكات، فهي أكثر من أن تعد وتحصى، فحرب التحرير الجزائرية كلفت الشعب الجزائري أكثر من مليون شهيد، وما ترتكبه فرنسا في مالي وغيرها، وما فعله الأمريكان في هيروشيما وفيتنام وأفغانستان والعراق وغيرها الكثير من الدول إنما هي شواهد ودلائل على وحشية من يدعي حمايته لحقوق الإنسان, فهل كان الاعتداء على الإنسان المدني والمفترض أن يكون آمنا متعمدا في الدول المستهدفة بالعدوان، والتي تؤجج نارها هذه الدول؟!

إننا لا نبالغ عندما نقول بأن ما نراه اليوم من قتل لمئات الآلاف من المدنيين في سورية والعراق واليمن مثلا هو متعمد فعلا، وله أهداف كثيرة ومحددة، ويعمل أعداء الأمة على تنفيذها وفق جدول زمني ممتد، ولعل أوضح هذه الأهداف هو التغيير الديموغرافي الممنهج لأراضي المسلمين والتي هي وطن مئات الآلاف من المسلمين السنة، وتشريد هؤلاء وتهجيرهم إلى بلدان العالم وقاراته؛ لإحلال أقليات وغرباء عن البلد بدلا من هذه الأكثرية السنية، وللولايات المتحدة باع كبير في هذا، حاملين معهم إرثا تاريخيا من العداء العقدي والتاريخي والعرقي، وقد التقت أحقاد الغرب واحقاد أعداء الإسلام عامة مع أحقاد الباطنيين والتي لا تقل بل تزيد على أحقاد الغرب، إن حرص الغرب على أمن إسرائيل وضرورة بقائها في المنطقة كخنجر في ظهر الشعوب العربية المسلمة السنية يقتضي من وجهة نظر الغرب وجود سند قوي لها يشابهها في طبيعة وجودها الغريب عن المنطقة، ويمكنها من إشغال المسلمين والقضاء على أي بارقة أمل في التحرر واستعادة القوة التي فقدوها، هناك أمر آخر لا يقل أهمية عند أعداء الأمة وهو التخطيط لإفقاد المقاتلين حاضنتهم الشعبية مستعينين لهذا بفئة متواجدة في أي شعب لا تريد أن تفقد ما اعتادته في حياتها اليومية ولو على حساب الكرامة والحرية، ولو على حساب الدين والمبادئ إضافة إلى استغلال أعداء الأمة للأخطاء التي يقع فيها بعض المقاتلين للإساءة إليهم.

إن تفرد أعداء الوطن بالمقاتلين لا يتم إلا إذا فرغوا المنطقة من المدنيين؛ ليسهل عليهم القضاء على هؤلاء المقاتلين الذين أثبتوا الكفاءة والقدرة على القتال واستعادة الأراضي التي خسروها في زمن قياسي رغم كل الأسلحة المتطورة والمحرمة دوليا التي يستخدمها أعداؤهم ضدهم.

لقد عمل الغرب ومن تحالف معه من الصفويين وغيرهم على إشغال المقاتلين بأمور ليس لها علاقة بالقتال، كإسعاف المصابين وانتشالهم من بين الركام، وإطعام الجائعين، وإيواء المهجرين، وكلها أعمال تشغل المقاتل عن قتال الأعداء، فقد عمل أعداؤنا على خلق أزمات وأمراض اجتماعية، ولا نبالغ إذا قلنا بأن هناك مئات الآلاف من الإعاقات التي تمنع هؤلاء من أن يعيشوا حياة طبيعية، وليصبحوا عبئا على من حولهم، إن قتل أعداء الوطن للمدنيين نتج عنه عشرات الآلاف من الأرامل والأيتام الذين يشكلون الهم الأكبر للداعمين من أبناء الأمة؛ مما يستنزف الكثير من الدعم المقدم والذي يحتاجه المقاتلون لاستمرار قتالهم، إننا نستطيع هنا أن نضيف الحالات النفسية التي يعيشها الكثير من المدنيين من الأطفال والنساء ممن تعرضوا للاغتصاب والعنف، أو ممن رأى المشاهد المروعة للقتل، ولا يستطيع أحد أن يلوم هؤلاء المهجرين المعنفين قسريا إذا رأوا منهم تصرفات عنيفة أو سمعوا ما لا يليق من الكلام؛ فقد تعرض هؤلاء إلى ما لا يمكن أن يتحمله إلا القليل من أهل العزم، ونحن نتساءل إن كان الغرب والمجوس ومن تحالف معهم ينفذون ما يخططون لنا دون حياء أو مواربة أو مراعاة لحقوق الإنسان التي يدعونها زورا وبهتانا، فما هو دورنا نحن؟!

وهل السكوت والاستسلام هو الحل؟!

أليس العمل على توعية أبناء الوطن المستهدفين ممن استطاع الأعداء بإعلامهم القوي استمالتهم بتغييبهم عن الحقيقة هو ما يجب أن نفعله؟!

إن المطلوب اليوم من هيئات ومؤسسات المجتمع المدني أن تعمل بقوة وبسرعة؛ كي يستطيع المقاتلون متابعة جهادهم ونفوسهم مطمئنة ومرتاحة تجاه هؤلاء الذين تركوهم خلفهم، وعليه فإن تكاتف أبناء الشعب جميعا هو المخرج لنا من المحن التي تمر بها أوطاننا وشعوبنا، ومن أجل هذا علينا عمل الكثير والكثير، وليس أمامنا إلا التخطيط الجيد، والتنفيذ السريع، ولنا فيما حصل في تركيا مؤخرا من الدروس والعبر الكثير.

 

 

العهد

المصادر: