الأسد وانقلاب المزاج الأميركي

الكاتب : حسين. ع
التاريخ : ٢٥ ٢٠١٦ م

المشاهدات : 2678


الأسد وانقلاب المزاج الأميركي

سرقت العريضة التي وقعها دبلوماسيون أميركيون ضد سياسة الرئيس باراك أوباما تجاه سوريا، والتي وصفها الزميل ساطع نورالدين عن حق بـ"مقالة رأي من الدرجة الثانية"، الأضواء من وثيقة تفوقها أهمية بكثير صدرت في الوقت نفسه. وتعكس الوثيقة الاكثر جدية انقلابا في المزاج الأميركي في السياسة الدولية، وخصوصا تجاه الحرب السورية ومستقبل الرئيس السوري بشار الأسد.

في "مركز أميركا للأبحاث الأمنية"، أصدرت مجموعة من 35 خبيرا وباحثا ودبلوماسيا سابقا من الوزن الثقيل وثيقة حملت عنوان "إلحاق الهزيمة بالدولة الإسلامية: مقاربة من الأسفل إلى الأعلى". وتصدر موقعي الوثيقة ميشال فلورنوي، وهي مسؤولة سابقة رفيعة المستوى في وزارة الدفاع (بنتاغون)، رفضت ترشيحها إلى منصب وزيرة خلفا لتشاك هيغل، الذي طرده أوباما. ربما تراهن فلورنوي على الفوز بمنصب وزيرة دفاع في عهد إدارة جديدة، بدلا من شغله في السنة الأخيرة من عهد رئيس صارت إحدى قدميه خارج البيت الأبيض.

الوثيقة هي حصيلة ستة أشهر من النقاشات لمجموعة "كيفية التعاطي مع داعش"، وهي لقاءات رعتها فلورنوي، وشارك فيها 34 من المعنيين بالشأن السوري.

وكان لافتا أن عددا من الأسماء المشاركة والموقعة على وثيقة التوصيات المنبثقة عن اللقاءات، تتضمن شخصيات معروفة بتأييدها فتح حوار مباشر وغير مشروط مع الأسد لإلحاق الهزيمة بداعش، من أمثال السفير السابق في العراق ريان كروكر، والباحثان المؤيدان للأسد مارك لينش وجوشوا لانديس، إلى جانب أسماء أخرى مؤيدة للإطاحة عسكريا بالأسد كمقدمة لحل سياسي في سوريا، من أمثال مدير الاستخبارات السابق دايفيد بترايوس.

وتقدم وثيقة فلورنوي تصورا لسياسة أميركا الخارجية المتوقعة في عهد الإدارة المقبلة، بغض النظر عن هوية الرئيس، إذ إن المشاركين في صياغتها وتبنيها هم من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ما يشير إلى أن المزاج الأميركي العام تغير كثيرا على مدى السنوات الثماني الماضية.

وكان "مركز أميركا للأبحاث الأمنية" نفسه قدم في يوليو 2008 وثيقة حملت عنوان “قيادة إستراتيجية: إطار إستراتيجية أمن قومي للقرن ال21”. حينذاك، تبنى الوثيقة ثمانية ممن تبوأوا فيما بعد ارفع المناصب في إدارة أوباما، كوكيل وزير الخارجية الحالي انتوني بلينكن. وقدمت الوثيقة الماضية الباحثة سوزان رايس، التي شغلت منصبي سفيرة أميركا في الأمم المتحدة وتعمل اليوم مستشارة الأمن القومي لأوباما.

في وثيقة العام 2008، كانت أميركا مثخنة بالجراح عسكريا بسبب حربي العراق وأفغانستان، وكانت على شفى كارثة مالية، ولم يلبث "الركود الكبير" أن حصل منتصف سبتمبر من ذاك العام. وترافق التراجع الأميركي مع صعود دول بريكس، أي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا، اقتصاديا وعسكريا وسياسيا.

كانت وثيقة الباحثين رايس وبلينكن وصحبهما بمثابة إعادة نظر في جدوى استخدام القوى العسكرية الأميركية، وتحدثت حينها عن ضرورة إعادة بناء القوة الأميركية، والإستناد إلى الدبلوماسية ومشاركة الزعامة العالمية مع القوى الصاعدة في إدارة العالم وشؤونه.

أما في وثيقة "إلحاق الهزيمة بالدولة الإسلامية" الصادرة هذا الشهر، فعودة للحديث عن الإستعانة بالقوة العسكرية الأميركية ودعوة لتسليح المعارضة السورية ولتوجيه ضربات لقوات الأسد وإقامة أحزمة "منع قصف جوي"، مثل الذي تقوم به قوة الأسد الجوية حاليا. وتطالب الوثيقة الجديدة بتمويل المعارضة السورية، لا عسكريا فحسب، بل على صعيد الخدمات المدنية لتمكينها من حكم المناطق الخاضعة لسيطرتها وتقوية مقدرتها على الحكم استعدادا لمرحلة التسوية.

وتدعو الوثيقة الجديدة إلى الإبقاء على العراق وسوريا بحدودهما الحالية، لكنها تطلب تطبيق لامركزية واسعة تسمح للمكونات المختلفة للشعبين بممارسة أنواع من الحكم الذاتي.

في العام 2008، كان يسيطر على المزاج العام الأميركي ودوائر صنع القرار شعور بأفول القوة الأميركية، وهو شعور ساهم في صياغة سياسة انسحابية أتقنها أوباما، ثم رماها على رؤوس السوريين والعراقيين. في العام 2016، تغير المشهد العالمي والأميركي، استعادت أميركا ثقتها بقوتها، وعكف خبراؤها، ممن يطمحون للوصول إلى مناصب حكومية، على صياغة سياسة تختلف جذريا عن سياسة أوباما.

في العام 2008، كانت إيران والأسد ينتظران بفارغ الصبر وصول الرئيس الأميركي الإنهزامي.

أما في العام 2016، فأمام إيران والأسد، على ما يبدو، ستة أشهر فقط قبل أن يتغير المزاج الأميركي من انهزامي إلى أكثر مواجهة.

 

العصر

 

المصادر: