ماذا وراء زيارة بابا الفاتيكان للاجئين باليونان؟!

الكاتب : زياد الشامي
التاريخ : ٢١ ٢٠١٦ م

المشاهدات : 4790


ماذا وراء زيارة بابا الفاتيكان للاجئين باليونان؟!

سؤال يبدو مشروعا بعد صمت العالم الغربي والكنيسة الكاثوليكية عن إجرام طاغية الشام، وعدم تحركهم لوقف وحشية عصابة قتلت من الشعب السوري -تحت سمع الغرب وكنيسته- أكثر من نصف مليون سوري، وشردت أكثر من 12 مليون آخرين عن بلدهم، في مأساة إنسانية لم يشهد التاريخ الحديث لها مثيلا.

فكيف إذا أضفنا على ذلك الدلائل التي تؤكد تواطؤ الغرب مع الأمريكان والصهاينة على إبقاء الطاغية في منصبه بعد كل جرائمه، ومحاولة إعادة تأهيله بشكل أو بآخر خشية وصول التيار الإسلامي إلى حكم بلاد الشام، ناهيك عن مخازي دول القارة العجوز في طريقة تعاملها مع ملف اللاجئين الوافدين إليها، وفضيحة تورط خفر سواحل بعض دولها في إغراق بعض قوارب اللاجئين لمنعهم من الوصول إلى شواطئها.....

لم تكن الكنيسة الكاثوليكية والفاتيكان بأحسن حالا من الحكومات الغربية في تعاملها وتعاطيها مع قضية اللاجئين، فهي لم تكتف بعدم تحريك ساكن إزاء العنصرية الفاضحة التي ظهرت من بعض دول القارة الأوروبية وفي مقدمتها المجر تجاه اللاجئين المسلمين، حيث اعتبر رئيس وزرائها "فيكتور أوربان" أن تدفق اللاجئين على أوروبا يهدد بتقويض الجذور المسيحية للقارة... بل شاركت الكنيسة الغربية فعليا في هذه اللغة العنصرية تجاه اللاجئين، وعبرت عن هواجسها ومخاوفها من زيادة أعدادهم في القارة.

ويكفي مثالا على ذلك ما وصف به بابا الفاتيكان "فرنسيس الأول" تدفق اللاجئين إلى الدول الأوروبية منذ أسابيع، حيث اعتبره بأنه "غزو عربي "إسلامي" للقارة" أثناء حديثه إلى كاثوليك يساريين فرنسيين زاروه في مقره السكني بالفاتيكان، ومن المعروف أن لفظ "الغزو" لا يستخدم إلا مع "العدو"، وهو ما يعني أن رأس الكنيسة الغربية يعتبر اللاجئين الوافدين إلى القارة العجوز "غزاة"!!!

بعد سرد هذه المواقف الناطقة والمعبرة عن حقيقة موقف الغرب الحقيقي وكنيسته من قضية اللاجئين، لا يمكن لعاقل أن يقرأ زيارة بابا الفاتيكان " فرانشيسكو" بصحبة بطريرك القسطنطينية برثلماوس ورئيس أساقفة أثينا وكل اليونان إيرونيموس منذ يومين لمخيم موريا لللاجئين في جزيرة ليسبوس اليونانية، والذي يعيش فيه ثلاثة آلاف لاجئ في ظروف سيئة للغاية... إلا في سياقها الصحيح ومراميها الواضحة.

فليس الاهتمام باللاجئين أو تأنيب الضمير على حالهم المزري أو السعي لمساعدتهم في العبور إلى دول القارة هو ما دفع بابا الفاتيكان لزيارتهم، فلو كان الأمر كذلك لكانت زيارة البابا لحكومات دول القارة أولى وأنجع.

كما أن هدف الزيارة لا يمكن أن يكون محاولة لحل جذور هذه المأساة الإنسانية التي ما زالت مستمرة منذ خمس سنوات، والسبب في ذلك واضح ولا يحتاج إلى بيان، فالغرب لم يعد يسعى ولو بالتصريحات إلى إسقاط طاغية الشام الذي كان ولا يزال سبب هذه المحنة الإنسانية، كما أن الكنيسة الكاثوليكية لم تدع يوما لحل هذه المأساة من جذورها بتحقيق مطلب ثوار الشام بإسقاط النظام.

وكل ما يمكن أن يقال بخصوص هذه الزيارة أنها إعلامية بامتياز، هدفها الأول والأهم تلميع صورة الكنيسة الغربية في العالم، خصوصا بعد التصريح الكنسي البابوي العنصري السابق بخصوص اللاجئين، ناهيك عن محاولة تلميع صورة الغرب والقارة العجوز مع قضية اللاجئين، حيث كشف تدفق بضعة مئات آلاف من اللاجئين إلى أوروبا عن حجم أكذوبة رعايتها لحقوق الإنسان، وهول البون الشاسع بين شعاراتها المرفوعة وممارساتها لهذه الشعارات على أرض الواقع.

أما بخصوص دعوة بابا الفاتيكان اللاجئين في اليونان إلى التمسك بالأمل، وتأكيده أنهم ليسوا وحدهم، وحضه العالم للتعامل مع اللاجئين بطريقة "تليق بالكرامة" فهي لا تعدو أن تكون تصريحات دبلوماسية إعلامية لا تقدم ولا تأخر، بل ولا تغير من واقع اللاجئين المأساوي على حدود القارة العجوز شيئا.

ويكفي دليلا على ذلك العدد الضخم الذي استطاع البابا استنقاذه من المخيم، حيث ذكرت وسائل الإعلام أن ثلاث عائلات من اللاجئين السوريين عددهم الإجمالي 12شخصا فقط بينهم ستة أطفال رافقته على طائرته إلى روما -لا ندري كم عدد المسلمين بينهم إن كان بينهم مسلمون- الأمر الذي يؤكد الهدف الإعلامي من وراء هذه الزيارة لا غير.

ولعل المخزي في هذه الزيارة هو استنساخ بابا الفاتيكان لأسلوب وطريقة بعثاته التبشيرية في العالم في محاولاتهم إخراج الناس من الإسلام إلى النصرانية، والتي لا تنشط إلا في زمن الحروب، ولا تتكاثر إلا في مخيمات اللجوء، حيث تستغل حاجة الناس ومعاناتهم وأشد لحظات ضعفهم لأهداف وغايات تنصيرية أو إعلامية فحسب، وهو ما بدا جليا في حث البابا الإبراشيات الكاثوليكية في أوروبا على استضافة اللاجئين.

وإذا كانت مشاهد الذل والضعف والانكسار الذي وصلت إلى حد أن يجثو بعض اللاجئين عند أقدام البابا باكين ومتوسلين للمساعدة.... مؤلمة وموجعة، فإنها ينبغي أن تكون كفيلة بتحريك ضمير العالم الإسلامي السني لمزيد من العمل على إنهاء هذه المعاناة جذريا، من خلال المزيد من دعم ثوار سورية لإسقاط طاغية الشام، وإعادة المهجرين إلى بيوتهم معززين مكرمين.


 

المسلم

المصادر: