انسحاب روسي يفرض واقعًا عسكريًّا وسياسيًّا جديدًا

الكاتب : ماهر علوش
التاريخ : ١٦ ٢٠١٦ م

المشاهدات : 2490


انسحاب روسي يفرض واقعًا عسكريًّا وسياسيًّا جديدًا

أصدر الرئيس بوتين تعليماته لوزير الدفاع الروسي بالانسحاب من سوريا، وبوقت قريب جدًّا "اليوم الثلاثاء"... والنظام بكل طمأنينة يؤكد أن ذلك تم بالتنسيق والتشاور معه، في حين أن المعلومات تشير إلى توتر في صفوف النظام جَرَّاء هذا القرار... ما يعني أن الانسحاب قد يشكل عامل ضغط على النظام لفرض واقع سياسي جديد.

علينا ألا ننس أن التدخل الروسي في المنطقة جاء لتأمين المصالح الروسية وليس نظام الأسد، والمصالح الروسية تتجلى بوضوح في السيطرة على حقول غاز شرق المتوسط، بالإضافة إلى منع وصول الغاز إلى أوروبا، الإيراني أو القطري على حد سواء؛ حيث شعرت روسيا بالتفاف إيراني على مصالحها عندما تم عقد الاتفاق الإيراني العراقي السوري لتصدير الغاز عبر المتوسط... بالرغم من محاولة روسيا الدفع بإيران تجاه أسواق شرق آسيا ورفض الأخيرة ذلك... وزاد من شعور روسيا بالالتفاف الإيراني الاتفاق النووي الذي تم قبل أشهر.

من هنا ينبغي فهم التصريحات بالانسحاب الروسي أنها تأتي في سياق الانتهاء من تأمين المصالح الروسية في المنطقة، والتي تعتمد بشكل أساسي على بقاء نفوذها وإحكام سيطرتها على المتوسط، وهو ما يعني احتمال اتفاق دولي على التقسيم، بحيث تكون الدولة العلوية تحت الوصاية الروسية.

إذن الانسحاب الروسي لا يَعْدو أن يكون انسحابًا وهميًّا أو "صوريًّا إعلاميًّا" عاجلًا من المنطقة؛ حيثُ أرادت روسيا أن تعلن للعالم وبشكل عاجل أنها انسحبت من سوريا -ويتم ذلك بانسحابات قليلة-، من غير أن تحرك بارجة حربية واحدة، خاصة أنها انتهت من مهمة تدعيم قاعدتها البحرية في طرطوس، والتي تحولت بالفعل من محطة صيانة وتزويد وقود إلى قاعدة حربية متكاملة، يضاف إلى ذلك أنها قامت بتشييد قاعدتها الجوية بالاعتماد على مطار "حميميم" العسكري، وهي قيد التطوير... ومهمتها الأساسية الحفاظ على المصالح الروسية في السيطرة على المتوسط كما ذكرنا... هذا الخبر له ما وراءه... لكننا نحتاج أن نقوم بتجميع الصورة أكثر لنعرف ما يجري من حولنا...

فمن الملاحظ أن تصريح بوتين يتزامن مع اقتراب موعد زيارة الملك سلمان لروسيا، والذي يُظهر إصرارًا دائمًا عبر وزير خارجيته عادل الجبير على رحيل الأسد ولو بالقوة، وقد كثر الحديث قبل مدة عن التدخل السعودي-التركي، بغض النظر عن نوعية وشكل هذا التدخل، هذا من جهة...

وبالنظر إلى جهة أخرى نلاحظ تزايد الهجمات الإرهابية للميليشيات الكردية في تركيا، ففي الآونة الأخيرة تعددت التفجيرات الإرهابية في تركيا، بدءًا من تفجير الأركان في أنقرة بتاريخ 18/2/2016، ثم تبعه بعد ذلك الاعتداء على مخفر للشرطة في اسطنبول من قِبل فتاتين بتاريخ 3/3/2016، وآخرها التفجير الذي استهدف مدنيين البارحة وسط أنقرة بتاريخ 13/3/2016، وهذا بلا شك يزيد من حِدَّةِ الفعل التركي إزاء منفذي الهجمات، والذي قد يصل إلى التدخل العسكري في شمال سوريا -من خلال ملف bkk وداعش-؛ لما في ذلك من الترابط والتأثير بين الجغرافيا السورية والتركية، والانسحاب الروسي الشكلي يعني إتاحة فرصة لهذا التدخل من غير حدوث احتكاك بين الدولتين.

لكن يبدو أن تركيا ما زالت تفضل عدم التدخل بشكل مباشر في القضية السورية -وهو ما نؤيده بلا شك-، مما يدعو إلى اعتمادها على الفصائل السورية بشكل أبرز مما مضى، وهذا يُفَسِّر ما تَسَرَّب اليوم من دعوة تركيا لفصائل المعارضة السورية غدًا إلى أنقرة لتشكيل مجلس عسكري موحد... وهو ما يجعل الفصائل السورية أمام استحقاق كبير وعاجل، ننتظر ماذا سيكون بجعبتهم أمام الحلفاء.

إن الانسحاب الوهمي الروسي سيتيح للتدخل القادم -والذي غالبًا سيكون عبر التحالف الإسلامي- أن يعمل بحرية على الأرض السورية، من غير تصادم مع القوات والقواعد الروسية التي ستبقى موجودة سرًّا في المنطقة... ما يعني أن الأيام القادمة تتجه إلى التصعيد وليس إلى التهدئة كما قد يظن البعض، والمقصود التصعيد في الشمال المحرَّر عمومًا، يرافق ذلك تهدئة في بقية المناطق السورية، بهدف الدخول في عملية سياسية، تنتهي لاحقًا بتقسيم سوريا.

لكن هذا كله في مصلحة من يَصُبُّ؟ ومن هو المُخْرِج الحقيقي الذي يقوم بإنتاج هذا المسلسل؟ وهل بدأ العمل بشكل جدي على مشروع التقسيم؟ وهل ضمنت روسيا نفوذها في المتوسط من خلال دويلة علوية مرتقبة؟ أسئلة كثيرة يتكفل الوقت بوضع إجابات واضحة لها.

 

 

الدرر الشامية

المصادر: