النفاق الأمريكي تجاه الطاغية من جديد

الكاتب : زياد الشامي
التاريخ : ٧ ٢٠١٥ م

المشاهدات : 6054


النفاق الأمريكي تجاه الطاغية من جديد

"يمكن قيام تعاون بين النظام السوري وقوات المعارضة ضد تنظيم الدولة دون مغادرة الأسد للسلطة". هذا ما قاله وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في مؤتمر صحفي بالعاصمة اليونانية أثينا أمس.

يأتي هذا الكلام بعد تصريحات أمريكية غربية عن ضرورة وجود قوات برية على الأرض السورية تقطف ثمار الضربات الجوية التي تقول قوات التحالف الدولي: إنها تستهدف ما يسمى "داعش"، فمنذ أيام قال وزير الخارجية الأميركي في العاصمة الصربية: إنه "من دون إمكانية تشكيل قوات برية جاهزة لمواجهة تنظيم الدولة، لا يمكن كسب هذا النزاع بشكل كامل بالضربات الجوية فقط", كما أن الرئيس الفرنسي يكرر نفس الفكرة بعد هجمات باريس الأخيرة.

وعن هوية وجنسية القوات المقترحة التي يريد الأمريكان والغرب أن تواجه "تنظيم الدولة الإسلامية" في سورية على الأرض، فهي سورية وعربية حسب الاقتراح، وليس هناك أي تفكير بالمغامرة بأي جندي أمريكي أو غربي في المستنقع السوري، فالدم المسلم الرخيص أولى بالإراقة والمغامرة به حسب المفهوم العنصري المادي النفعي الأمريكي الغربي.

الغريب العجيب في هذا المقترح الأمريكي الغربي الشيطاني، أنه يريد أن يجمع بين ما تبقى من قوات طاغية الشام، وبين قوات المعارضة السورية المسلحة، ليقاتلا معاً ما يسمى "داعش" في سورية على الأرض.

نعم، إنها الفكرة الشيطانية التي تفتقت عنها ذهنية البيت الأبيض، والتي تريد أن تجمع هولاكو العصر ونيرون الشام الذي قتل من الشعب السوري أكثر من نصف مليون، وهجّر وشرّد نصف سكان سورية، ناهيك عن تدميره أغلب مدن البلاد، مع آباء الأطفال الذين تم انتشالهم من تحت ركام البيوت التي دمرتها براميل الطاغية، ومع إخوة الفتيات اللواتي انتهك جنود نيرون الشام أعراضهن وقتل منهن الكثير!!

لم يتوقف أمر العجب من طرح هذه الفكرة عند هذا الجمع العجيب المقترح بين عدوين لدودين لا يمكن أن يجتمعا أبداً، بل تجاوزه إلى الجمع بينهما مع بقاء الطاغية وعدم رحيله، وهو ما يعني تنسيق المعارضة المسلحة مع قاتل أطفالهم ونسائهم.

أعلم أن وصف "النفاق" الأمريكي الغربي تجاه الأزمة السورية ومستقبل "الطاغية" تحديداً قد لا يكون منصفاً، فقد يكون الوصف الأدق المناسب للواقع هو: التآمر والعمل بكل الإمكانات على إجهاض ثورة الياسمين، ومنع انتصار الثوار على طاغية الشام، ولا أدل على ذلك من استمرار منع الأمريكان والغرب الدول الداعمة للثورة السورية من تزويد المعارضة المسلحة بالأسلحة النوعية التي من شأنها أن تحسم المعركة لصالحهم، وخصوصاً السلاح المضاد للطائرات.

إلا أن ذلك لا ينفي نعت وصف "النفاق" ظاهرياً على الأقل على تصريحات ساسة البيت الأبيض، التي تتأرجح بين التصريح بضرورة تنحي الأسد عن السلطة لحل الأزمة السورية وهزيمة "داعش"، تماشياً مع مطالبتها بتنحي الأسد منذ البداية، وحفظاً لماء وجهها بعد تجاوز الطاغية لخطوط أوباما الحمراء وما بعد الحمراء وبين الرغبة في بقائه لكونه الأنسب لحفظ أمن الصهاينة، والأفضل طبعاً من البديل المتمثل بالتيار الإسلامي المعارض.

لم يعدم الأمريكان والغرب الحيلة للتغطية على "إرهاب" طاغية الشام الذي لم يعرف التاريخ مثيلاً له، وإشغال العالم "بإرهاب" آخر تشير كل المعطيات أنه مفتعل ومصطنع لصرف الأنظار عن "الإرهاب" الحقيقي الذي تجب هزيمته، والمتمثل بما يقوم به طاغية الشام وحلفاؤه من الروس والرافضة في بلاد الشام، والذي يعتبر السبب الرئيس في ظهور ما يسمى "داعش".

وإلا فمن ذلك العاقل الذي يصدق أن تنظيماً صغيراً "كداعش" ظهر منذ سنوات فقط، بات اليوم يهدد العالم من أقصاه إلى أقصاه، وتعجز التحالفات الدولية والترسانة العسكرية التي تمتلكها عن إلحاق الهزيمة به، أو حتى إيقاف توسعه وتمدده على الأرض؟!

إلا إذا كان هذا التنظيم المصطنع -أو المخترق على أقل تقدير– يمثل الذريعة التي تبيح للغرب التعامل مع ظاهرة انتشار الإسلام في القارة العجوز بعيداً عن قوانين الحرية الدينية وحقوق الإنسان، وتتيح له إجهاض ثورة الياسمين التي يمثل انتصارها إفشال مخطط الشرق الأوسط الجديد وتهديد أمن الصهاينة.

لا يبدو أن النفاق الأمريكي الغربي تجاه الأزمة السورية عموماً ومصير الطاغية على وجه الخصوص سيتوقف، بل سيستمر حتى يصل إلى الغاية التي يريدها، ألا وهي: الإبقاء على الطاغية -بدعوى أنه سيرحل مستقبلاً دون تحديد زمن لهذا الرحيل- واستخدام "داعش" ذريعة لإبقائه بدعوى أنه "الإرهاب" الذي تجب هزيمته أولاً.
 

 

المسلم

المصادر: