تصحيح الاعتقاد

الكاتب : فايز الصلاح
التاريخ : ٢٠ ٢٠١٥ م

المشاهدات : 8248


تصحيح الاعتقاد

إن الغاية العظمى من خلقنا - معشر البشر- هي عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، ومن أجل ذلك أنزل الكتب وبعث الرسل، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].

مصدر العقيدة هو الوحي وليس العقل، فالوحي حاكم والعقل يفهم ويستسلم، والوحي هو كلام الله المعظم في القرآن، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم الثابت بالإسناد إليه،وهما في الحجة سواء، وفي الحديث الصحيح: "ألا إني أوتيتُ هذا الكتاب، ومثلَهُ معهُ..." رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة.

كلُّ ما صحَّ من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب قبوله والعمل به، سواء كان متواتراً أو آحاداً، وسواء كان في الأحكام أو الاعتقاد.
فإن التفريق بين المتواتر والآحاد في العقائد فيحتج بالحديث إن كان متواتراً ولا يحتج به إن كان آحاداً؛ فإنَّ هذا التفريق هو بدعة كلامية اعتزالية ثم تلقفها بعض الفقهاء والأصوليين.
قال أبو المظفر منصور بن محمد السمعاني في كتابه الانتصار كما في مختصر الصواعق: "قولهم إن أخبار الآحاد لا تقبل... رأي سعت به المبتدعة في رد الأخبار إذ إن الخبر إذا صح ورواته ثقات وتلقته الأمة بالقبول فإنه يوجب العلم وهذا قول عامة أهل الحديث... وأما هذا القول المبتدع فقول القدرية والمعتزلة.., وتلقفه منهم بعض الفقهاء الذين لم يكن لهم في العلم قدم ثابتة ولم يقفوا على مقصودهم من هذا القول...".
فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث الواحد من أصحابه يدعون إلى التوحيد أولاً وإلى الأحكام ثانياً، فإنه لما بعث مُعاذاً إلى اليمن، قال: "إنك تَقْدَمُ على قومٍ أَهلِ كتابٍ، فَليَكُنْ أَوَّلَ ما تدعوهم إِليه عبادةُ الله عز وجل، فَإِذا عَرَفُوا الله فَأخْبِرْهُم: أَنَّ الله قد فَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلواتٍ في يومهم وليلتهم، فإِذا فعلوا فأخْبِرهُم: أَن الله فرضَ عليهم زكاة، تُؤخَذُ من أغنيائهم وتُرَدُّ على فُقرائهم، فإذا أطاعوا، فُخُذ منهم وتَوقَّ كَرَائم أموالهم" أخرجه البخاري ومسلم.
وإنَّ القول: إن السنة لا يحتج بها في مسائل الاعتقاد إلا بالمتواتر منها هو نسف لحجية السنة؛ إذ إن غالب الأحاديث هي آحاد والمتواتر منها قليل.
وإنك لتجد التناقض عند القائلين بهذا القول إذ يعتقدون بكثير من المسائل، والحجة فيها أحاديث آحاد.
ومازال الأئمة من السلف وأتباعهم لا يفرقون في الاحتجاج بين آحاد ومتواتر، فقد روى ابن عبد البر بإسناده عن أبي حمزة السكري أنه قال: سمعت أبا حنيفة يقول: "إذا جاء الحديث الصحيح الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم أخذنا به، ولم نعده".
فدل هذا النص على أن الإمام إذا جاءه الحديث الصحيح الإسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن به وصدق وأخذ به بدون تفرقة بين الخبر المتواتر وخبر الآحاد؛ فيثبت العقائد بهما من غير تفريق.
وهذا هو ما قرره الطحاوي في العقيدة التي كتبها في بيان عقيدة الإمام وصاحبيه حيث يقول: "وجميع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرع والبيان حق. وقال في موضع آخر: وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن الرسول فهو كما قال... وقال... نؤمن بما جاء من كرامتهم وصح عن الثقات من رواتهم".
وهذا هو ما كان عليه الصاحبان أبو يوسف ومحمد بن الحسن دل على هذا قول أبي يوسف: "وقد أمرك الله أن تؤمن بكل ما أتى به نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} " فقد أمرك الله بأن تكون تابعاً سامعاً مطيعاً" (الحجة في بيان المحجة للتيمي ص321).
وقال محمد بن الحسن: "هذه الأحاديث قد روتها الثقات فنحن نرويها ونؤمن بها"، فدل هذا النص على إثبات الصفات بالأحاديث الصحيحة، دون فرق بين أن تكون متواترة أو مشهورة، أو أخبار آحاد، بعد أن كانت مروية عن الثقات.
ثم ذكر إجماع الفقهاء على ذلك حيث قال: "اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على أن الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاءت بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عزَّ وجلَّ، من غير تغيير ولا وصف ولا تشبيه...". (شرح أصول أهل السنة والجماعة 3/432-433).
وقال الإمام الشافعي - رحمه الله - في كتابه الرسالة ص453، 457: "أجمع المسلمون قديما وحديثا على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبته" وقال قبل ذلك: "ولم يزل سبيل سلفنا والقرون بعدهم إلى من شاهدنا هذه السبيل".
وقال ابن القيم في الرد عليهم: "ونحن نشهد بالله ولله شهادة على البت والقطع أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يجزمون لما يحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن أحد من الصحابة ولا أحد من أهل الإسلام بعدهم يشك فيما أخبر به أبو بكر الصديق ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا عبد الله بن مسعود ولا غيرهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كانوا لا يشكون في خبر أبي هريرة مع تفرده بكثير من الحديث ولم يقل أحد منهم يوماً واحداً من الدهر خبرك هذا خبر واحد لا يفيد العلم.

وكان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل في صدورهم من أن يقال فيه ذلك، وكان أحدهم إذا روى لغيره حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفات تلقاه بالقبول واعتقد تلك الصفة به على القطع واليقين..."
إلى أن قال: "فهذا الذي اعتمده نفاة العلم عن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم خرقوا به إجماع الصحابة المعلوم بالضرورة وإجماع التابعين وإجماع أئمة الإسلام، ووافقوا به المعتزلة والجهمية الرافضة والخوارج الذين انتهكوا هذه الحرمة، وتبعهم بعض الأصوليين والفقهاء، وإلا فلا يعرف لهم سلف في الأمة بذلك". (انظر مختصر الصواعق 2/504-5204، 2/473-475).

 

 

مشاركات نور سورية

المصادر: