الجوهر الأخلاقي للثورة ونفاق الإعلام

الكاتب : هادي العبد الله
التاريخ : ١١ ٢٠١٥ م

المشاهدات : 2662


الجوهر الأخلاقي للثورة ونفاق الإعلام

بدايةً أود أن أطمئن “الزميلة” ديانا مقلد التي بدت شديدة الحرص على مصير هؤلاء “القتلة” الذين كنت أحدثهم تحت الأنقاض، ، فقد قام الثوار الذين لم “يأتوا من السويد” على كل حال بإرسال الدفاع “المدني” والذي قام بدوره بانتشالهم من تحت الأنقاض وإرسالهم إلى محكمة إخواننا في أحرار الشام.
“الزميلة” ديانا كانت متخوفة على “الجوهر الأخلاقي للثورة” ، وأكرر وصفي لها بالزميلة كونها وصفتني بـ”المراسل” رغم أنني لم أعمل يوماً ضمن أي مؤسسة إعلامية وإنما عملت -مستقلاً- منذ اليوم الأول للثورة لنقل معاناة الشعب السوري إلى العالم “الأصم”.
وبالعودة إلى “الجوهر الأخلاقي للثورة” والذي خشيت عليه السيدة ديانا، فليسمح لي القراء الكرام بأن أشاركهم ماكان يتوارد إلى ذهني يوم وصلنا إلى هذا المبنى الذي “حمت” أنقاضه قتلة الشعب السوري. عندما توجهنا إلى ذلك البناء كانت المنطقة غير محررة بالكامل وإنما حثنا على المسير إلى هناك ماسمعناه من وجود أحياء في المنطقة ، فذهبت مع بعض الإخوة الذين ما أخافتهم نيران القناصين علنا نجد أحداً من الأحياء وخصوصاً مع توارد الأنباء عن تحرير أسرى هنا وهناك أو عن تصفية جنود النظام “القتلة” للأسرى الموجودين عندهم قبل انسحابهم.
كانت لحظة صعبة عندما وصلنا إلى ذلك البناء المنهار وخصوصاً عندما سمعنا أصوات أولئك الجنود من تحت الأنقاض، فقد عادت بي الذاكرة عامين إلى الوراء وبالتحديد إلى مدينتي الحبيبة القصير المحتلة ردها الله إلينا، عندما استهدفت غارة للطيران الأسدي منزل ابن عمي الذي يقع مقابل منزلنا مباشرة، يومها استشهد العشرات وجرح الكثيرون ومن بينهم أنا ….وخرج الناس يبحثون عن أهلهم وأقاربهم في المشافي الميدانية والبساتين المجاورة …وطوال النهار وجد الجميع أقاربهم بين شهيد وجريح إلا ابن عمي المسكين الذي لم يجد زوجته وطفليه في كل الأماكن التي بحثنا فيها عنهم….ومع اقتراب غروب الشمس عاد الرجل وهو يحدث نفسه بأنه قد سمع صباحاً نداء استغاثة من تحت الأنقاض…نعم كانت نداءات استغاثة..من زوجته وطفليه..عدنا جميعاً…تجمعنا..حاولنا استدعاء رافعة ولكنها استهدفت بالقصف…حفرنا..بالفؤوس والمعاول..بأيدينا..بأظفارنا…زاد الصوت قوة..نعم إنها الأم..أخرجنا الأم المصابة..أين الصغار؟ لم نجدهم بعد..تابعنا الحفر والقصف فوق رؤوسنا…لاصوت…وجدنا الأطفال ولكن جثثاً هامدة… كانت الأم المكلومة تبكي وهي تصف كيف كانت تسمع نداء طفليها الذين فصلت الانقاض بينها وبينهم..كانت تبكي عندما تتذكر كيف شهدت موتهم البطيء..استغاثاتهم..ماما أنجدينا…اختناقهم..ثم موتهم هذا مادار في ذهني وأنا أتحدث مع أولئك “القتلة” وهم تحت الأنقاض، لكن يبدو أن عيبنا أننا لانتعامل بالتقية كما الآخرون..فلم ندعي أمام الكاميرا أننا نريد إنقاذهم لنذبحهم بعيداً عن العدسات بالطرق الوحشية كما تفعل الميليشيات المتحضرة..
صحيح أنني سألتهم عن مذاهبهم لكن الثوار “الظلاميين” لم يفرقوا حين أخرجوهم بين السني والعلوي والعراقي الشيعي الذي كان معهم…بل أنقذ الجميع ليذهبوا إلى القضاء والذي سيحدد وحده مصيرهم العادل أياً كان.
في ثورتنا أخطاء وهي كثيرة ونحن أكثر من نتصدى لها ونحاول إصلاحها..لكن ثوار سوريا هم الأكثر حرصاً على “الجوهر الأخلاقي للثورة” أيها السادة…وليس أهل السويد أو باريس أو بيروت..أو “الشرق الأوسط” 

 

 

 

 

مرآة سورية الإخباري

المصادر: