سر الشفاء.. بين الأرض والسماء

الكاتب : مالك فتح الله
التاريخ : ٤ ٢٠١٤ م

المشاهدات : 2923


 سر الشفاء.. بين الأرض والسماء

أمتنا الإسلامية جهلت من الدنيا بمقدار ما جهلت من الدين، ونسيت من عالم الشهادة بمقدار ما نسيت من عالم الغيب، وإن الفشل أصاب من ينتمون إليها في ميادين الدنيا والآخرة، والعجز الذي لحقهم في أداء رسالتهم أدى بهم إلى فشل هنا وهناك، فكان التخلف الذي صارت إليه.


إن هذه الأمة تحتاج إلى أمواج من المعرفة تحيي مواتها.. أمواج يمدها فيض وابل لا ينقطع بكل شيء خرج من الأرض وأنزل من السماء، وما لم يسعفها هذا الفيضان من المعرفة, فإن الجفاف سيجعلها صحراء موحشة من الحياة.
يقول الله تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) الإسراء:82 وإن القرآن الكريم يتضمن أشفية شتى لأنواع السقام البشري ولكن الأمم التي تتبع هذا الكتاب العزيز معلولة في أغلب أحوالها، لأنها ظنت أن القلوب يمكن أن تمتلئ بالإيمان والإحسان دون جهد كما يمتلئ الكوز في الماء إذا أُغمس في البحر, ومن المستحيل أن يبلغ شيء تمامه بهذه الطريقة، ولا أن يثبت حق أمام باطل بهذا الأسلوب، وقد انتهى الوحي الإلهي إلى هذا الكتاب الحكيم.
وإنما بين دفتيه كلمة السماء إلى الأرض دون تحريف ما, وإن مراد الله من خلقه قد خلد في الصحائف فلا تعقيب لأحد بعده، وهذه الصفات لا يمكن البتة إضفاؤها على كتاب.
وقد تضمن القرآن الكريم جملة من الحقائق التي تنادى بها موسى وعيسى وتَنادى بها من قبلهم نوح وإبراهيم، وإن أولى الرسالات بالإجلال ما كان عند الله.
وإن محمداً من أعظم الرسل ولم يجُد الدهر بمثله، وإن الدين الذي جاء به أرقى الأديان وأتمها وأكملها، وإن الإسلام حافل بالوصايا والتعاليم التي تلقي النور في دروب الحياة وتدل السائر على أسباب السلامة والاستقامة، ولابد من دراسة النصوص التي تمكن الدّارس من معرفة روح الإسلام وحكمه في مختلف الشؤون، وقد استخلص الفقهاء من الانكباب عليها جملة من (المبادئ والقواعد) تعد مفتاحاً لمغاليق القانون, ويستطيع أولو النهي بهذه القواعد أن يمدوا رواق الإسلام في كل اتجاه وأن يصبغوا الحياة به في كل ناحية.
ومن الطبيعي أن يستهدف هذا التشريع مصلحة الناس كافة لا فرق بين أجناسهم وأديانهم، وإن الفقه الإسلامي يحفظ الحق لصاحبه ويبيح له استعماله كما يريد، ويحميه من عدوان الغير شرط ألا يضار الغير واستعمال صاحب الحق حقه ضرراً يكون أكبر من ضرر الحد من حرية صاحب الحق.
وإن العلماء استقرؤوا أحكام الدين وما ترمي إليه من مصالح فوجدوا ذلك لا يعدو ثلاثة أنواع:
النوع الأول:
مصالح لا تقوم الحياة إلا بها وسموها المصالح الضرورية وهي تنهض على حفظ (خمسة أمور): 1. الدين 2. النفس 3. العقل 4. النسل 5.المال؛ وإلى هذا النوع يرجع أكثر أحكام الشريعة

النوع الثاني:

مصالح لا تختل بها حياة الناس ولكن يصيبهم من فقدها ضيق ومشقة وسموها (المصالح الحاجية):
1. كإباحة المبادلات.
2. الرخص التي تعفي الناس من بعض التكاليف أحياناً.
النوع الثالث:

مصالح ترجع إلى الأخذ بمحاسن العادات وسموها (المصالح التحسينية):

1.حرمة الخبيث من المطعمات. 2.ستر العورة.


إن إقامة حكم الله يتعاون عليها المجتمع والدولة ويرى كلاهما أنه مطالب بها بوحي إيمانه، وإن قداسة القانون تعيد كل شيء إلى أصله وإلى علاقة الناس بهذا الأصل.
فإذا اعتمد القانون على أنه من عند الله جعل الناس أهميته على أعناقهم جزءاً من صلاتهم وزكاتهم، والتشريع الذي يبلغ هذه الغاية هو الذي تستقيم به الأحوال وتستقر به الأوضاع.
والشريعة هي الضمان للصالح العام؛ فإن مبناها على الرحمة وغايتها إسعاد الناس في عاجلتهم قبل آجلتهم، ومن استقرأ أحكام الشريعة وجدها قد تكفلت بالمحافظة على كل هذه المصالح، فهي شريفة كاملة كلها عدل ورحمة ورفق بالناس، وذلك من أكبر أسباب صلاحيتها لبني الإنسان في كل زمان وفي كل مكان.

 

المصادر: