"الخوارج" بين تاريخية الحالة وتوظيفات السياسة

الكاتب : بسام ناصر
التاريخ : ٩ ٢٠١٤ م

المشاهدات : 4966


يشير مراقبون إلى أن دور الخوارج لم ينته حتى اليوم:
أُطلق وصف "الخوارج" في مرحلة مبكرة من التاريخ الإسلامي، على الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، بعد قبوله بمبدأ التحكيم في موقعة صفين (سنة 37هـ)، بعد جولات الاقتتال التي دارت بين جيشه وجيش الشام بقيادة معاوية بن أبي سفيان.

 

 

بعد انتهاء موقعة صفين، وما تمخض عنها بين أهل الشام والعراق، أعلن الرافضون للتحكيم خروجهم عن طاعة الخليفة الرابع، ما أجبره على مواجهتهم وقتالهم في موقعة النهروان سنة 38 هـ، وقد كان على قناعة تامة بأنهم هم الذين ذمهم النبي عليه الصلاة والسلام وحذر من خروجهم، بعد تحقق الأخبار المنبئة عنهم، والكاشفة عن صفاتهم وأحوالهم بحسب ما رواه من أحاديث سمعها من رسول الله عليه الصلاة والسلام.  
لم يقتصر إطلاق وصف الخوارج على أولئك الخارجين عن طاعة علي بن أبي طالب، بل بات يطلق على "كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت عليه الجماعة سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين، أو كان بعدهم على التابعين لهم بإحسان والأئمة في كل زمان" على حد تعريف الشهرستاني في كتابه "الملل والنحل".

في عصور لاحقة ونتيجة لتداخل الدين والسياسة، تم إنزال مصطلح الخوارج - بحسب باحثين ودارسين – على حالات مختلفة لدوافع سياسية، خلال الممارسة الإسلامية للسلطة على امتداد القرون المتعاقبة من التاريخ الإسلامي، ما يستدعي إعادة قراءة مفهوم "الخوارج"، لتحديد فيما إذا كان يتضمن نموذجا وصفيا قابلا للتكرار في عصور لاحقة في حالة انطباق أوصافه على أقوام مشابهين للأولين، أو أنه يمثل حالة تاريخية قامت وانقضت بحسب إخبار الأحاديث النبوية عنها؟
كما أن المقام يقتضي امتحان مدى دقة القول الشائع والمتداول، بأن مصطلح الخوارج قد تم توظيفه سياسيا لإجهاض حالات المعارضة السياسية، وتصفية رجالاتها ورموزها تحت غطاء ديني عقائدي؟ وبالانعطاف إلى واقعنا المعاصر فعلى أي أساس يتم إطلاق وصف الخوارج على فصائل مقاتلة في الساحة السورية، وبماذا انطبق عليها هذا الوصف بحسب مطلقيه عليهم؟

الخوارج حالة انتهت أم نموذج يتكرر؟
كيف يمكن قراءة الأحاديث النبوية المخبرة عن ظهور الخوارج من حيث اعتبارها ظاهرة قابلة للتكرار في قابل الأيام أم أنها قاصرة على حالة تاريخية تحققت وانقضت فحسب؟
اعتبر الدكتور لطفي الزغير، أستاذ الحديث الشريف المساعد بجامعة الملك خالد في السعودية الأحاديث الواردة في بيان حال الخوارج، أنها تدل على ظاهرة قابلة للتكرار إلى قيام الساعة.
وفي معرض استدلاله وبيانه للأدلة، أورد الدكتور الزغير حديثين عن الخوارج، أولهما يتحدث عن قصة ذي الخويصرة التميمي (الذي يشار إلى أنه مبدأ ظهور الخوارج) حينما قال للنبي عليه الصلاة والسلام: "اعدل يا رسول الله، فقال له: "ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؟"، ثم قال ردا على طلب عمر بضرب عنقه، دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته وصيامه مع صلاته وصيامه، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".
يتابع الدكتور الزغير إيراده للحديث الثاني والذي نصه: "سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة"، مشيرا إلى أن البخاري ترجم لهذين الحديثين بـ"باب قتال الخوارج"، ما يعني أنه يرى أنهما في الخوارج، فالحديث الأول يخبر عن وقوعه في عهد النبي، والثاني يتكلم عن آخر الزمان، وما بينهما ظهور وضمور لهذه الظاهرة بحسب أستاذ الحديث الشريف المساعد الزغير.
في رده على سؤال "عربي 21" حول المعايير التي بمقتضاها يتم إنزال تلك الأحاديث على طائفة أو فئة معينة؟
يلفت الدكتور الزغير إلى أن هناك صفات تدل على الخوارج بعضها نطقت بها الأحاديث صراحة، ومنها ما تم استنباطه من أفكارهم، من أبرزها:
- أنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان>
- ووقوفهم عند ظواهر النصوص دون فهم مقاصدها وما وراءها
- وتكفيرهم بالكبيرة.
- وغياب المرجعيات عندهم.
- وترؤس صغار السن للقيادة والفتوى
(حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام) لذا سالت على أيديهم دماء كثيرة قديما وحديثا.

الخوارج حالة وقعت ولن تتكرر:
بقراءة مغايرة للرؤية السابقة، ومع تأكيده على صحة الأحاديث المخبرة عن ظهور الخوارج، يرى الدكتور خالد الحايك الباحث والمتخصص في الحديث النبوي وعلومه، أن تلك الأحاديث "تتحدث عن حالة قد وقعت، ولا يمكن أن تتكرر، ولو كانت ستتكرر لأخبر الرسول بذلك"، مشيرا إلى أنه قد يُختلف في حدوث الأخبار ووقوعها، لكنها لا تتكرر، والخبر عن الخوارج قد وقع وتم فلا يتكرر.
فإذا كان الحال كذلك، فإنه لا يجوز عندها إنزال تلك الأحاديث على أي فرقة أو طائفة في العصور اللاحقة وفق قراءة الدكتور الحايك، أما في حالة خروج فئة أو طائفة على إمام نصبه المسلمون عليهم، ويحكمهم بكتاب الله، فإنهم يُسمون حينئذ بـ"البغاة"، أو طائفة ممتنعة، وتجري عليهم أحكام خاصة بهم.

يتابع الدكتور الحايك توضيح قراءته لـ "عربي 21" بقوله: "أما إذا قلنا بجواز تنزيلها على طائفة أو فئة (أي جواز تكرارها) فلا بد من مراعاة جملة أمور:
أولها صحة الحديث أو الأحاديث التي سننزلها عليهم، فقد صحت أحاديث كثيرة في وصفهم، وفي المقابل لم تصح أحاديث أخرى، كحديث (الخوارج كلاب النار!)، فهذا حديث منكر، وهو يتضمن أمرا خطيرا لإطلاقه هذا الوصف المهلك على أناس مع أن الحديث لم يصح كما فصلته في بحثي "كشف الأستار عن حديث الخوارج كلاب النار".
ووفقا لشرح الدكتور الحايك فإنه في حال إنزال تلك الأحاديث على فئة أو طائفة معينة "فلا بد من انطباق كل صفة جاءت في أحاديث الخوارج على الفئة المراد تنزيلها عليه، مع التنبيه على أن وجود بعض الصفات أو الأفكار في مجموعة لا يعني انطباق الكل عليها.
كما ويشترط فيمن يقوم بإنزال تلك الأحاديث على فئة أو فرقة أن يكون عالما ورعا تقية ثقة.. أما فتح الباب لكل من هب ودب للخوض في ذلك، فهو مما يفسد الأمور ويخرجها عن نصابها، وقد نتج عن ذلك آفات كثيرة تعجُّ بها الساحة الإسلامية.

التراشق بـ"الخوارج" بين الفصائل المقاتلة في سوريا:
في غمرة الخلافات المحتدمة بين الفصائل المقاتلة على الساحة السورية، شاع تداول وصف الخوارج ومشتقاته في معمعة السجالات الساخنة، والمواجهات العسكرية الدامية، بين الأطراف المختلفة، فجماعة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام يتهمون زعيم جبهة النصرة أبا محمد الجولاني بخروجه عن طاعة أميره أبي بكر البغدادي، لرفضه الإذعان لإعلان اندماج الجبهة والدولة، وجماعة القاعدة يرون أن تنظيم الدولة خرج عن طاعة الظواهري وتمرد عليه.
لكن الاتهام المباشر لقيادات الدولة الإسلامية في العراق والشام، بأنهم خوارج وكلاب أهل النار، جاء من قبل أبي قتادة الفلسطيني، أحد شيوخ السلفية الجهادية ورموزها المعروفين، وفقا لرسالته - نشرتها منتديات جهادية في وقت سابق -  التي وجهها لجنود الدولة الإسلامية داعيا لهم للانشقاق عن التنظيم، واصفا قيادته في سوريا بالخوارج، لأنهم يقتلون أهل الإيمان، ويدعون أهل الأوثان.

كما وصفهم أبو بصير الطرطوسي في بيان له سابق بقوله: "جماعة الدولة المعروفة بمسمى "داعش" من الخوارج الغلاة، بل قد فاقوا بأفعالهم وأخلاقهم الخوارج الأوائل في كثير من الصفات والأفعال".
من جانبه اعتبر الداعية الإسلامي إحسان العتيبي، أن من يطلع على أحوال الذين أطلق عليهم اسم "الدواعش" (على حد تعبيره) يجد أنهم يستحقون أوصافا متعددة بحسب قيادتهم وأفعالهم، ويجمعهم جميعا استحلال دماء المجاهدين الموحدين ومناصرة النظام البعثي، لذا  اختلف العلماء والكتاب وطلبة العلم في وصفهم، بين كونهم: "خوارج"، "بغاة"، "قطاع طرق"، وقد وجد في صفوف قادتهم وولاتهم من هو "رافضي" كأبي أيمن العراقي، ومن هو "بعثي" كحجي بكر.
وذهب العتيبي إلى القول بأن أكثر ما أطلقه الباحثون وطلبة العلم على تنظيم الدولة الإسلامية وصف "الخوارج"، منهم: قياديون في "جبهة النصرة"، محمد المسعري، كما اعترف بعض "الدواعش" للمقدسي أنه يوجد في صفوفهم خوارج، وبعضهم كأبي قتادة الفلسطيني قال عنهم أنهم "أسوأ من الخوارج".
ووفقا للعتيبي فإن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، إنما استحقوا لقب الخوارج لمشابهتهم لهم في كثير من صفاتهم وأفعالهم، ومنها: التكفير بالجملة، فقد حكموا على جميع المجاهدين ممن ليسوا معهم أنهم مرتدون، وبعضهم صرح بأن الأصل في أهل سوريا الكفر.
قتلهم لأهل الإسلام وتركهم لأهل الأوثان، وقد بان ذلك واضحا في سلامة الرافضة منهم مع قتلهم لأهل الجهاد من المسلمين الموحدين.
وتابع العتيبي في حديثه لـ "عربي 21" سرد صفات تنظيم الدولة الإسلامية التي شابهوا بها الخوارج، كالوحشية في التعذيب والقتل، كما فعل أسلافهم في قتل أمة عبد الله بن خباب بن الأرت وبقر بطنها، وقد فعلوا ما هو أشد منه مع الطبيب أبي ريان وغيره من المجاهدين، ولإظهار ذلك المسلك نقل العتيبي كلاما للعدناني الناطق باسم التنظيم قال فيه: "إن لنا جيوشا في العراق، وجيشا في الشام من الأسود الجياع، شرابهم الدماء، وأنيسهم الأشلاء..". كما إن من صفاتهم التي شابهوا بها الخوارج تكفيرهم بالظن لا باليقين.
وخلص العتيبي إلى القول "إن قادة "تنظيم الدولة" فيهم من هو بعثي، ومن هو رافضي، ومن هو خارجي، ومن هو منحل دينيا، ومن هو جاسوس لدولته، وأفرادهم فيهم من هو كقادته، ومنهم "إمعات" ينقادون بعاطفة بلا عقل ولا شرع، وفيهم الصادق المغرر به، وأما حكمهم: فهم طائفة محاربة للإسلام وأهله، وهم مناصرون للنظام، فيقاتلون ويطبق عليهم "حد الحرابة" لفسادهم وسرقتهم واغتيالاتهم وقتلهم وقطعهم للطريق بحسب العتيبي.
لكن المدافعين عن الدولة الإسلامية في العراق والشام، ينفون صحة ما ينسبه إليه خصومهم خاصة وصف الخوارج، فقد كتب تركي البنعلي المعروف بأبي همام الأثري، أحد شرعيي الدولة المعروفين، رسالة أسماها "تبصير المحاجج بالفرق بين رجال الدولة الإسلامية والخوارج" نفى فيه تهمة رمي الجماعة بالخوارج إذ إن الدولة تفارق الخوارج الأوائل في الأصول والفروع. 

التوظيفات السياسية "للخوارج" قديما وحديثا:
بقراءة نقدية تحليلية رأى الناشط الإسلامي، عضو المكتب السياسي لحركة الأمة/فلسطين، الدكتور عبد الله أبو السمن، أن استخدام مصطلح الخوارج يتكرر في كل عصر من العصور حتى بات أداة سياسية تستخدم لقمع المعارضة بصرف النظر عما تحمله من أفكار أو تقوم به من ممارسات.
وأوضح أبو السمن لـ"عربي 21" أنه "حتى يسمى الخوارج خوارجا فلا بد أن يكون ثمة حاكم أو خليفة مسلم، اختاره المؤمنون برضاهم وبمشورتهم، ثم بايعوه من غير إكراه، فحينها يمكن تسمية الخارجين عليه بالخوارج، متسائلا: هل يوجد حاكم مسلم أو خليفة بايعه المسلمون لنقول أن ثمة من خرج عليه؟ وهل المسلمون اليوم متفقون على حاكم واحد؟
واعتبر أبو السمن بقراءته للواقع السياسي "أن الأمور تتعدى مفهوم الخوارج من الناحية الدينية، لتدخل في إطار الصراعات السياسية والأمنية المرتبطة بقضايا التمويل الإقليمية والدولية، وبقضايا الترويج الإعلامي"، لافتا إلى أن مجريات الأحداث في المنطقة ليست منفصلة عن التأثر والتأثير بالأحداث والمخططات العالمية الهادفة إلى استنزاف المنطقة أو إعادة احتلالها وتقسيمها بما يخدم تلك المخططات.
ودعا أبو السمن العاملين الواعين إلى لم شتات الأمة، بتوحيد صفوفها أبنائها، واستعادة الحكم بما أنزل الله، والسعي لتحقيق وحدة الأمة الجغرافية والسياسية والاقتصادية، لتتمكن من مواجهة الأعداء المتداعين عليها، والرابضين على أرضها بالقواعد العسكرية والاحتلال الصهيوني، فكل من يعمل لتحقيق هذه الأهداف على اختلاف وجهات نظرهم فهو من الأمة وليس خارجا على أهدافها.


عربي21

المصادر: