حلب ومؤامرة البراميل

الكاتب : نجوى شبلي
التاريخ : ١٩ ٢٠١٤ م

المشاهدات : 3168


حلب ومؤامرة البراميل

 وما زالت حلب مع موعد مع الموت والدمار يأتيها عبر براميل تمطرها ليلا نهارا,وتحت سمع وبصر عالم يتفرّج دون اكتراث,وربّما سنقرأ يوما في التاريخ أنّ هناك مدينة كانت تسمّى حلب دمّرها وقتل أبناءها أو شرّدهم حاكم ظالم وتحت سمع وبصر عالم فقد كلّ معنى من معاني الإنسانيّة, وأصبح بلا ضمير أو إحساس. فلم كلّ هذا الحقد على حلب, وهي التي كانت آخر مدينة انضمّت إلى ثورة هذا الشعب؟!

 

لو تأملنا قليلا في أحداث الثورة التي تحوّلت إلى العمل المسلّح لأسباب لا تخفى على كلّ ذي بصيرة؛ لرأينا أنّ أوّل المناطق التي تحرّرت في سورية كانت الريف الحلبي الذي أضحى مركزا لنشاط الثوّار, ينطلقون منه حتّى وصلوا حلب واستطاعوا تحرير قسم كبير من أحيائها, فلا بدّ من الانتقام من هذه المناطق, ولا بدّ من تهجير أهلها خاصّة الأحياء الثائرة منها. إنّ ما يحدث في حلب اليوم من توحّد للكتائب الثائرة المقاتلة, واستعادة الثوّار لكثير من المناطق التي استطاع النظام إعادتها إليه إضافة إلى تحرير مناطق جديدة,كل هذا جعل النظام في حال من الخوف والهلع من تواصل الانتصارات, وربّما امتدادها خارج حلب لتصل إلى معاقل هذا النظام في الساحل السوري باعتبار الوضع الجغرافي.

إنّنا لا يمكن أن نغفل الجانب الاقتصادي, فالشمال السوري نجا ممّا وقعت فيه الكثير من المدن والمناطق السورية الأخرى كحمص وبعض مناطق ريف دمشق, كالغوطتين مثلا, فلم نسمع عن حصار ومجاعات؛ وذلك بسبب سيطرة الثوّار على ريف حلب المتواصل جغرافيا مع تركيا,بل كانت الأماكن المحرّرة هي الأماكن الأكثر رخصا في أسعار المواد الغذائية والتموينية, وقد يغامر أبناء المناطق الخاضعة للنظام للوصول إلى أسواق حلب المحرّرة لتأمين احتياجاتهم من الغذاء وغيره. ولعلّ البراميل التي يلقيها النظام صباح مساء على حلب ليس هدفها الحجر والشجر ولا قتل البشر فقط,وإنّما تعمل على إحداث أكبر عدد من الإصابات والإعاقات بين الكبار والصغار التي ستعود بالضرر الكبير في مستقبل الأيام, وستشكّل عبئا إنسانيا واقتصاديا على المجتمع الحلبي. لقد أدّى تحرر الريف الحلبي وجزء كبير من مدينة حلب إلى قيام مجتمع مدني, فإنشاء المحاكم الشرعية, واعتماد أهل حلب على أنفسهم في توفير المياه كحفر الآبار وغير ذلك,وتوفير الطاقة الكهربائية إلى جانب الاهتمام بالجانب التعليمي كإقامة المدارس والمعاهد والمستشفيات, وكذلك الاهتمام بالجانب الاجتماعي كرعاية أسر الشهداء والأيتام, كلّ ذلك أشعر النظام بالخطر وبإمكانية استغناء هذه المناطق عن النظام وخدماته,وربّما تنتقل العدوى إلى مناطق أخرى, فلا بدّ من تهجير أهل هذه المناطق وتشريدهم هنا وهناك. إنّنا لو فكّرنا فيما يفكّر فيه النظام من تقسيم لسورية كحلّ أخير يلجأ إليه في حال تعذّر القضاء على ثورة الشعب السوري, ولو توقّعنا أنّ النظام سيستطيع إيجاد هذه الدويلة في الساحل السوري ومناطق أخرى كحمص وغيرها وبمساعدة العالم المتواطئ معه لا بدّ أن نتوقّع هنا أن يلجأ النظام إلى إشغال حلب وسنّة سورية عامّة بإعادة بناء الدولة المخصصة لهم اقتصاديا واجتماعيا ممّا لا يدع لهم فرصة لاستعادة المناطق التي اغتصبها النظام وأسس فيها دويلته. ولعلّ هناك أسبابا أخرى ستكشفها الأيام لنا,وحتى ذلك الوقت ستبقى مؤامرة البراميل قائمة, وربّما يضاف إليها مؤامرة المواد السّامة التي عاد النظام إلى استخدامها مؤخرا,وما على أهل حلب إلا الالتجاء إلى الله,فليس لهم غيره,وكفى بالله ناصرا ووكيلا.

 

المصادر: