إلى جنان الخلد يا محمد

الكاتب : تنسيقية أحرار الثورة السورية في الأتارب
التاريخ : ١٤ ٢٠١٢ م

المشاهدات : 6561


إلى جنان الخلد يا محمد

حكاية بطل من بلادي: الشهيد البطل المغوار الملازم أول المنشق عن كتائب الأسد/ ((محمد عبد الرحمن عبد الله))

لن نتكلم بعاطفة أو بما يثير المشاعر والأحاسيس بشكل معنوي دون أرضية واقع، سنتكلم عن شخصية كانت مغمورة بالنسبة للكثيرين دون مبالاة حتى بالنسبة لي ككاتب لهذه السطور محمد عبد الرحمن عبد الله.
- الولادة والنشأة:
ولد محمد في 26- 8- 1986م، في ناحية إبين التابعة لمنطقة الأتارب محافظة حلب.
تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة القرية وقد كان معروفاً بتفوقه في دراسته، وكان محبوباً من قبل المدرسين والزملاء في المدرسة.
كما أتم المرحلة الإعدادية في مدرسة القرية، وكان المميز والمتفوق في جميع المراحل الدراسية.
نال الشهادة الثانوية لفرعها العلمي من مدرسة الاتارب عام 2004 م بمجموع قدره 186.
- محمد وطموحاته:
كان لمحمد طموح دفين بالانضمام للجيش لرفع علم بلاده والذود عنها، وقد تلخص هذا الطموح بمحاولات عديدة:
1- حاول الانتساب لأكاديمية الأسد للهندسة العسكرية وبالرغم من جميع مؤهلاته لم يقبل بسبب عدم وجود ما يسمى بالواسطة.
2- بالرغم من فشله بتلك المحاولة لم يقف مكتوف اليدين فحاول الانتساب إلى الكلية الجوية، واجتاز جميع الفحوصات بامتياز لكنه لم يقبل لسبب رخيص ألا وهو أنهم لا يحتاجون لطيارين من محافظة حلب، والواقع أن السبب كان مولده في قرية إبين والتي كان لها تاريخ في أحداث الثمانينيات.
3- لم تثن تلك المحاولات الفاشلة من عزيمة محمد بل زادته إصراراً فانتسب إلى الكلية الحربية بتاريخ 27- 11- 2004م.
فبدأ محمد يخط طريق النجاح حيث:
- أتم السنة الأولى -طالب ضابط مستجد- بتفوق، وكان الأول على دفعته البالغ عددها ألف طالب.
- أتم السنة الثانية -طالب ضابط متوسط- وكان الأول كذلك على ألف من زملائه.
- أتم السنة الثالثة -طالب ضابط متقدم- بتقدير جيد جداً، وكان ترتيبه الثامن والثلاثون من بين الطلاب الألف، والسابع على اختصاصه –مشاة-.
ولو نظرنا لمستواه في السنة الثالثة لوجدناه متدنياً قليلاً وهذا ليس بسبب تقصيره، ولكن بسبب الواقع الدنيء الذي يعيشه الجيش الأسدي من محسوبيات وواسطة وتمييز طائفي.
تخرج محمد من الكلية الحربية برتبة ملازم في 6- 10- 2007م، ومن ثم التحق بوحدات الحرس الجمهوري، وقد تم اختياره نظراً لتفوقه وانضباطه الشديدين، وقد تم فرزه إلى اللواء 104 والذي يقوده العميد الركن مناف طلاس.
ونظراً للياقته البدنية العالية وجديته وحزمه وانضباطه الصارم عين في مركز تدريب الدورات -قائد دورة-.
تمت ترقيته لرتبة ملازم أول بتاريخ 1-1-2010م بعد التحاقه بإحدى كتائب اللواء 104، وخلال ست سنوات عرف بأنه كان محمود السيرة حسن الخلق لم توجه إليه ملاحظة.
- توالت السنون ومحمد بتفانيه المعروف وإخلاصه الدائم لوطنه منتظراً فسحة الأمل التي لم يكن يدركها وهي الربيع العربي.
- الربيع العربي يضم محمد بين ذراعيه:
أشرقت شمس الثورات على بعض البلاد العربية ووصل نورها إلى سورية بتاريخ 15- 3- 2011م،
فحاول النظام الأسدي إطفائها بشتى الوسائل من قمع وقتل وتقطيع أوصال المدن بالحواجز وهتك للحرمات وعزف على أوتار الطائفية، وكان محمد شاهداً عيان على هذه الأفعال، حيث أوكلت إليه مهمة قيادة لأحد الحواجز، فرأى بأم عينه ما كان يجري على أرض الواقع من إطلاق رصاص على المتظاهرين السلميين، وحملات الدهم والاعتقال والنهب والتخريب من قبل المجموعات الأسدية، فكر بصمت عميق محاولاً التغيير لكنه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فقد كان يمنع عناصره من إطلاق الرصاص على المتظاهرين منعاً باتاً إلى أن قرر أن يختار عناصره ممن يثق بهم ليتمكن من تأمين من كان مطلوباً، كما كانت له بعض الاتصالات مع تنسيقيات دوما وعربين وقارة؛ حيث لوحظ عليه التواصل معهم قبل الخروج في حملات الاعتقال والمداهمات بحق المتظاهرين السلميين.
إحدى الحوادث التي جرت معه أن قاموا باقتحام أحد المنازل في دوما -مجموعة من الضباط والعناصر-، ولم يكن فيه إلا امرأة شابة ومعها طفلها الذي لم يكمل ربيعه الأول، التمست هذه المرأة في عيني محمد طيبة ورحمة بعد أن هددت بالاعتقال من قبل قائده فما كان من محمد إلا أن صرف الأنظار عنها وخلصها من أنيابهم إلى مكان أكثر أماناً.
كانت هذه الحادثة أحدى البراهين على شهامة عربية تثنيه عما تفعله العصابات الأسدية من هتك للحرمات، وكشف للأعراض، وانتهاك للأديان.
أثارت هذه المواقف النبيلة حفيظة قادته وزملائه فاشتدت عليه الرقابة وخصص له عنصراً كظله يقوم برصد تحركاته والتجسس على مكالماته وتقديمها للجهات الأعلى كتقارير أمنية، ونتيجةً للتقارير التي رفعت بحقه استدعي للتحقيق موجهاً له ما يسمى تهماً بنظر العصابات الأسدية:
1- التعاطف مع المتظاهرين السلميين.
2- عدم إلقاء القبض على المطلوبين وقيامه بإخلائهم.
3- منع العناصر من الرمي وفتح النار على المتظاهرين.
4- تجنب المشاركة في اقتحام المنازل والتخريب فيها.
5- ممارسة الشعائر الدينية، وهي: الصلاة، وقراءة القرآن، ومتابعة قنوات دينية ملتزمة.
6- أكبر تهمة كانت موجهة له أنه كان صديقاً مقرباً جداً من الرائد ماهر النعيمي الذي كان قائد سرية في نفس الكتيبة، حيث عرف عنهما أنهما كانا بنفس الصفات الخلقية.
وعلى إثر هذه المواقف الإنسانية تعرض محمد لثلاث محاولات اغتيال:
- أولها محاولة اغتيال من قبل عنصر من الأمن العسكري، حيث أوكل إلى محمد إقامة حاجز عند صورة لحافظ الأسد لمنع المتظاهرين من الوصول إليها وإتلافها، جرى إطلاق عدة رصاصات من بناية مواجهة للحاجز محاولة استهداف محمد، فقام الأخير وعناصره بمعالجة الحدث وألقوا القبض على هذا القناص الذي فاجئ محمد كثيراً عندما أبرز له هويته مؤكداً له أنه عنصر من عناصر الأمن العسكري.
- أما محاولة الاغتيال الثانية كانت من قبل إحدى سيارات الكتائب الأمنية التابعة للحرس الجمهوري، والتي فتحت النار على محمد وعناصره فاستشهد منهم اثنان.
أثرت محاولة الاغتيال واستشهاد اثنين من عناصره كثيراً بالملازم أول محمد عبد الله فعاد إلى الكتيبة بنبرة مغايرة، وأظهر ما كان دفيناً بداخله بأعلى صوته فاضحاً النظام وما تقوم به العصابات الأسدية المجرمة.
وعلى إثرها منع من الخروج إلى الشارع كما منع من المشاركة في إقامة الحواجز وحملات المداهمة والاعتقال، وتعرض للإقامة الجبرية في مكتبه، فما كانت ردة فعل قادته إلا محاولة اغتيال ثالثة: حيث خصص له اثنان على باب مكتبه لإخضاعه للإقامة الجبرية، وبفطنته كشف اللعبة الدنيئة التي خطط لها من قبلهم، حيث قام بالتسلل إلى مكتب زميله خفيةً عنهم وشرع بمراقبتهم إلى أن رآهم يطرقون باب المكتب منتظرين منه أن يفتح لهم الباب لكنه لم يكن موجوداً فما كان منهم إلا أن قاموا بكسره واقتحام المكتب ففوجئوا بعدم وجوده.
أدرك عندها بأنه لم يعد له مكان بين هؤلاء القتلة، وأن الوقت قد حان ليعلنها مدوية في آذان كل من يصم سمعه عن صوت الحرية والكرامة. خرج من الكتيبة ليعلن انضمامه إلى لواء الضباط الأحرار مقسماً بأنه لن يتهاون لحظة بحماية الشعب السوري الحر الأبي من بطش الجيش الأسدي.
وبطريقة أو بأخرى شق عباب طريقه خارجاً من الكتيبة بتاريخ: 2 – 10- 2011م، وهذا هو تاريخ انشقاقه عن الطغاة.
- بعد خروجه من الكتيبة قام بعدة تنقلات إلى أن وصل إلى جبل الزاوية وهناك التقى بأصحاب دربه الأخيار، وبعد أن لاحظ وجود أعداد من المنشقين (5-6 عناصر بكل قرية تقريباً)، قام بالاتصال معهم وجمعهم تحت لواء الخير وحب الوطن، معلناً تشكيل كتيبة صقور الشام، حيث وصل عدد عناصرها إلى المئة عنصر والتي كانت بقيادته.
وقد خطب بهم قائلاً بلسان حاله:
أيها الشعب السوري العظيم... انطلاقاً من واجبنا في حمايتكم، وعهداً منا لحماية الأرض والعرض؛ نعلن تشكيل كتيبة صقور الشام والتي ستعمل بكل ما تملك من قوة لنصرة المظلوم وإعادة الحقوق، ونعد بشار الأسد وزمرته الظالمة بأنكم ستلاقوننا بكل مكان وزمان، وسترون منا مالا تتوقعونه حتى نعيد لشعبنا حريته وكرامته، وعشتم وعاشت سورية حرة عزيزة كريمة.
وهذا الشعار كافٍ ليدل على نوايا هؤلاء الأشاوس بقيادة البطل الشهيد الملازم أول/ محمد عبد الرحمن عبد الله.
قامت هذه الكتيبة بعدة عمليات ضد العصابات الأسدية:
في إحدى عملياتهم استشهد زميل بطلنا، فقام بخلع حذاءه من رجليه ولبسه بطلنا، وأقسم ألا ينزعه حتى يقتص من القتلة أو يستشهد.
بعد هذه الحادثة بأربعة أيام استشهد محمد عبد الرحمن عبد الله في عملية مماثلة موفياً بعهده بحماية شعبه والقصاص من الظالمين بتاريخ: 8 -12- 2011م. ومورداً للكثيرين ما قد حرمه في طفولته من عطف وحنان؛ لأنه قد توفيت والدته وهو لم يتجاوز الربيع الأول من عمره، فارتقى محمد إلى السماوات العلى، ووري الثرى بتاريخ: 9 - 12 – 2011م.
إلى جنان الخلد يا محمد،،،

المصادر: