الثورة السورية وسياسة التحبيط

الكاتب : نجوى شبلي
التاريخ : ١٧ ٢٠١٤ م

المشاهدات : 3561


الثورة السورية وسياسة التحبيط

يعمل العالم اليوم وبشكل حثيث على إدخال اليأس والإحباط في قلوب السوريين، وإشعارهم بالعجز في محاولة من هذا العالم للحيلولة بين هذا الشعب وبين الوصول إلى أهدافه التي ثار من أجلها، ولعل ما يساعد هذا العالم الظالم في محاولاته هذه هو اعتقاد بعض السوريين أنّ الثورة التي بدأت لن تطول أحداثها، وستتسارع، ولن تزيد مدّتها عمّا حدث في ثورات الربيع العربي الأخرى، ودون أن تتأثّر مصالحهم، ودون أن يخسروا شيئا في عيشهم وأمنهم،

 

ومن المفارقات العجيبة التي تحدث اليوم والتي كانت نتيجة طبيعية لكثرة ما تعرّض له أبناء هذا الشعب من محن أن تصبح رؤية الشيعة عند بعض السنّة من السورييّن تجول وتصول في الأحياء التي ما زالت بيد النظام وهم يضعون عصائب كتب عليها "يا حسين"، ودون أن يكترث هذا البعض بهذا المنظر العجيب الذي يدلّ دلالة واضحة على الأهداف التي جاء هؤلاء من أجلها، وعلى القوّة التي يستند إليها هؤلاء وهي إيران التي تعمل جاهدة على تنفيذ مخطّطها التوسعي بتغيير ديمغرافيّة سورية بحيث تصبح الأكثريّة أقليّة، مستخدمة القوة والبطش وسياسة التجويع، وما جرّبه الصفويّون منذ بضع مئات من السنين عندما حوّلوا الأكثرية السنيّة إلى التشيّع.
لقد وصل الحدّ ببعض الأنظمة العالميّة إلى منع السلاح الذي يمكن أن يدفع به هذا الشعب عن نفسه براميل الموت التي تلقها الطائرات الأسديّة، وتحصد بها أرواح المئات يوميا، بل لقد عملت هذه القوى الظالمة على قلب الصورة فبدلا من التركيز على ما تفعله الميلشيات الشيعيّة من إجرام بحقّ هذا الشعب من الغالبية السنيّة، بدأت بتضخيم التجاوزات التي قام بها أفراد من السنّة كان بعضهم مدفوعاً من النظام نفسه، والبعض الآخر كان مدفوعاً برغبة في الانتقام ممّن اغتصب زوجته أو ابنته أو أخته، أو ذبح أطفاله، أو هجّر عائلته، أو قتل إخوته، وما يساهم اليوم ويعمل عل إحباط السورييّن الذين عرفوا بقوة الشعور بالانتماء إلى عالمهم العربي والإسلامي هي سياسة الانبطاح التي اتبعتها بعض الدول العربيّة التي بدأت تتقرّب من إيران، وتعمل لها حسابا خاصّة بعد التقارب الذي حدث بين إيران والولايات المتحدة التي عبّر رئيسها عن إعجابه باستراتيجية إيران ونظرتها العالميّة ومعرفتها لميزان الربح والخسارة، وبأنّ عهداً جديداً من العلاقات معها على العرب أن يستوعبوه. إنّنا في نظرنا إلى الأسباب التي تجعل وصول الإحباط ممكنا ليس فقط إلى نفوس السوريين بل إلى نفوس الكثير من أبناء الأمتين العربية والإسلاميّة، إنّنا هنا لابدّ أن يدفعنا هذا إلى توصيف الواقع لعلاجه لاحقا، وهنا نتساءل: أليست سياسة الانبطاح هي التي دفعت الغرب والولايات المتحدة إلى التقليل من الاهتمام بشأننا كعرب، والزهد فينا، والانصراف إلى الطرف الأقوى لتعقد معه تحالفات ترى فيها مصلحتها، ولا بدّ أن تكون على حساب الطرف الأضعف وهي دول الخليج خاصّة أنّ الولايات المتحدة ترى أنّها ضامنة للحكومات العربيّة والتي تعتقد أنّها في جيبها الصغير، في الوقت الذي لا يملك حكّام العرب الجرأة للاعتراض على ما تقوم به الولايات المتحدة؟! ألم يكن من الأجدى للدول العربيّة عامّة والخليجيّة خاصّة أن تشغل إيران بنفسها بدل أن تشغلنا جميعا؛ لتجعل همّنا الأكبر اتقاء شرّها؟! ألا نملك من القوّة ما يجعلنا نحرّك الداخل الإيراني المتنوّع عرقياً ومذهبياً خاصّة أنّ هناك الكثير ممّن يشعر بالظلم والغبن والقهر حتّى بين أبناء الشيعة أنفسهم؟! أليس في دعمنا لأهلنا في الأحواز الذين يناضلون منذ سنين لاسترجاع هوّيتهم العربيّة المسلمة إشغالا لإيران وإضعافا لها؟! إنّ تحكّم البعض في مفاصل بعض الدول العربيّة أفقدها وأخّرها لسنوات، بل وأصابها بالعجز وعدم القدرة على التفكير، وسلب منها الإرادة وحريّة الاختيار، كما سلبها وسائل الدفاع عن نفسها، وعمّن تمثّله في هذا العالم الذي لا يحترم إلا القوي.

المصادر: