هيلاري كلينتون: شكراً جزيلاً

الكاتب : مجاهد مأمون ديرانية
التاريخ : ٤ ٢٠١٢ م

المشاهدات : 3159


هيلاري كلينتون: شكراً جزيلاً

لا والله لست هازلاً، إني جادّ غايةَ الجِدّ، فإن لي أصدقاء ما يزالون يجادلونني كلما كتبت عن الولايات المتحدة كلمة أو ذكرتها بسوء،
وأنا محتار كيف أقنعهم بأن أميركا هي عدو سوريا الأكبر، وبأنها هي أسوأ خصوم الثورة السورية وأكثرها أذى، لا روسيا ولا الصين ولا إيران، ولا سائر العالم بشرقه وغربه، فأسعفتني السيدة كلينتون أخيراً وقدمت الدليل. ألا تستحق الشكر الجزيل؟
شكراً لك أيتها الوزيرة، شكراً جزيلاً.


الآن عرف قومي حقيقةَ قومك، الآن انكشف الخبيء وبان الشر المكتوم، الآن عرفنا وعرفت الدنيا أن الولايات المتحدة تلعب بنا وبثورتنا كما يلعب بالكرات البهلوان، وتسطو عليها كما يسطو على الصوص الضعيف الأفعوان.
"واشنطن تعتزم إجراء تعديل كبير في قيادة المعارضة السورية بحيث تكون أفضل تمثيلاً للضحايا الذين يقدمون حياتهم في الصراع الدائر حالياً".
كيف سيكون أفضل تمثيلاً يا سيدة كلينتون؟
"إن اجتماع قطر سيكون فرصة لتوسيع التحالف ضد الأسد". آها، فهمت؛ إذن فإن تصحيح الخطأ التاريخي الذي ارتكبه المجلس عندما فشل في تمثيل الضحايا الذين يقدمون حياتهم، هذا الخطأ سوف يتم تصحيحه في الدوحة. مرة ثانية نتساءل: كيف؟
هذه المرة يأتي الجواب من كرازاي سوريا الجديد: "قال سيف إن اجتماع الدوحة سيكون أكثر شمولاً... وسيضم كذلك عدداً أكبر من أبناء الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد".
كرازاي سوريا الجديد "باض الجوهرة" (كما نقول بالعامية):
"عدد أكبر من أبناء الطائفة العلوية". صحيح، كيف غاب عن بالنا أن "الضحايا الذين يقدمون حياتهم في الصراع الدائر حالياً" منهم كثير من العلويين.
ألا تستقبل قراهم النعوشَ بالعشرات كل يوم؟
بالطبع هؤلاء يستحقون "تمثيلاً أكبر" في أي مجلس انتقالي وفي أي حكومة قادمة. حرام، إنهم يضحون ويموتون، فهل تريدون أن يموتوا سدى ويضحّوا بلا مقابل؟
يا لقسوة قلوبكم يا أيها السوريون!
الولايات المتحدة "تعتزم إجراء تعديل كبير في قيادة المعارضة السورية"، الولايات المتحدة "سوف تطرح بعض الأسماء والمنظمات التي يتعين أن تظهر بشكل أكثر بروزاً في أي قيادة جديدة للمعارضة في سوريا". تعتزم، تطرح، يتعيّن؟
ألم تجدي كلمات أكثر رقة أيتها الوزيرة: "نقترح"، "نتمنى"، "يُطمئننا أكثر"؟
ألم يعلّموك في الجامعة أصول الدبلوماسية ولغتها وكلماتها وتعبيراتها؟
إن المبتدئين في كليات العلوم السياسية يعلمون أن من قواعد السياسة الخفاءَ والخداعَ والمداهنة، وقد كان يسع وزيرة خارجية الدولة العظمى أن تمشي على تلك القواعد طالما وقفت أمام الجمهور وتحدثت إلى الصحافة والإعلام، فإذا ما خَلَتْ بمجلسنا الوطني الموقر أرعدت وأبرقت وهدّدت وتوعدت، إلا أنها فُتنت بعظمة دولتها العظمى (والقوة تُطغي كما قلت مراراً من قبل) فأنستها فتنتها بقوتها ما تعلمته في الكلية، وباحت على الملأ بما لا يجوز البوح به إلا في الاجتماعات الخاصة داخل القاعات المغلقة.
وليس هذا كل شيء. "قالت كلينتون في تصريحات أدلت بها للصحفيين في زاغرب إن أيام قادة المجلس الوطني المذكور باتت معدودة"... لِمَ لَمْ تخبرونا من قبل أنكم أنتم من يحدد حياة مجالسنا وموتها أيها الأميركيون؟
"على الرغم من إمكانية أن يؤدّوا دوراً ما- لم تحدده- في قيادة المعارضة الجديدة"... شوّقتِنا يا جناب الوزيرة، ما عدنا نستطيع النوم من كثرة التشويق.
متى ستتكرمين وتكشفين لنا هذا "الدور الما" الذي يمكن أن تسمحوا لمجلسنا الموقر بأن يقوم به؟
أف لكم يا أيها الأميركيون!
أيها الأميركيون: نعلم أنكم ما تزالون تعبثون بنا وبسوريا منذ ثلاث وستين سنة، وأنكم قضيتم على استقلالنا الوليد ولمّا يُتِمّ ثلاثَ سنين، وأنكم اخترتم لشعب سوريا الكريم العظيم أسوأ مجرمي الكوكب فسلطتموهم على رقبته منذ ذلك الحين.
نعلم أن أحداً لم يؤذِ سوريا خلال القرون الخمسة الأخيرة كما آذتها أميركا، ونعلم أنكم لن تتركونا لنعيش بسلام ولن تتوقفوا عن العبث بسوريا، حاضرها ومستقبلها... ولكنْ مَن قال إننا سنسكت بعدُ كما سكتنا من قبل؟
إن الشعب الذي صمد في وجه آلة الإجرام التي صنعتموها على عينكم وحرصتم على حمايتها ورعايتها ومدّها بكل أسباب القوة والبقاء، هذا الشعب قادر -بعون الله- على الصمود في وجه أي آلة أخرى يمكن أن تتفتّق عنها عبقريتكم المجرمة المجنونة اليوم وغداً، وفي أي يوم آتٍ من الأيام.
افتحوا أعينكم أيها الأميركيون: لقد انقضى المنام وسقطت الأوهام، استفاق هذا الشعب الأبيّ الكريم وآلى أن لا يُضام بعد اليوم، فبعدَ اليوم لن يُضام.

 

المصدر: الزلزال السوري

المصادر: