من الذي لا يزر وزر أبيه

الكاتب : أسامة الملوحي
التاريخ : ٢٨ ٢٠١٢ م

المشاهدات : 7190


من الذي لا يزر وزر أبيه

عند مشاهير المعارضة السورية هناك ضياع في الأسس والأفكار التي يجب أن تكون حاضرة أو مبتكرة في أي عمل سياسي فاعل وقوي ضد نظام بشار ومع هذا الضياع تضيع حتى المعايير التي يقاس عليها ويقدّر رد الفعل في أي مستجد أو مستجدات سياسية أو ميدانية..ومن ذلك كيف نتعامل مع الانشقاقات المتتالية في المؤسسات المختلفة وعلى كافة المستويات ؟

 


خرج كثير من المعارضين على الإعلام يبرئ مناف طلاس بغير علم أو تحري..برؤوه من سفك الدماء وقالوا يداه نظيفتان غير ملطختان بالدم السوري وبرؤوه من أفعال أبيه شريك حافظ وابنه في كل الجرائم.. وخرج من الإسلاميين قيادي يتصدر دائما وقال نفس القول وزاد عليه بعد أن برأ الابن من جرائم أبيه زاد في القول آية {مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (15) سورة الإسراء.
فأصّل وجهة نظره من القرآن الكريم وقد فعلها هو نفسه من قبل بخصوص بشار وقال في لقاء فضائي تاريخي قبل وراثة بشار للسلطة بأكثر من سنة: لامانع لدينا في استلام بشار بعد أبيه إن أراد الإصلاح واستشهد بنفس الآية
ونجدد تفنيد و بطلان التأصيل والاستشهاد الذي ورد.
إبراهيم عليه السلام لنا فيه أسوة حسنة, انفك عن أبيه وعن جرائم أبيه لأنه تبرأ من أبيه (فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) وعاتب الرحمن إبراهيم لأنه فقط استغفر لأبيه وما كان ينبغي له ذلك لأن أباه عدو لله -تعالى- وكان لنا في ذلك استثناء في الاقتداء {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ } (114) سورة التوبة.
وبني اسرائيل خاطبهم القرآن الكريم وقرّعهم وجرّمهم على جرائم آبائهم وكانت صيغة المخاطب تتكرر وهي تُسمع وتدين الحاضرين المخاطبين وقت نزول القرآن رغم أن الجرائم ارتكبت من أجدادهم {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (65) سورة البقرة .  {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (91) سورة البقرة.  {وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ} (92) سورة البقرة . {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} (84) سورة البقرة .. وآيات أخرى كثيرة … أنها إدانة انتقلت للأجيال اللاحقة عن جرائم ارتكبها الأجداد السابقون …لأن اللاحقين لم يتبرؤوا من جرائم الأولين بل دافعوا عنها وتستروا عليها وفي بعض الأحيان برروها وجعلوا بعضها مناسبات للإحياء والذكرى….وعلى هذا نالوا مع آبائهم الوزر والإدانة والتجريم .
ومثل بني اسرائيل فعل بشار السفاح بل زاد عليهم أنه يعتبر ما فعله أبوه من جرائم إنما كانت لإنقاذ سورية ولخير سورية وتقدمها.
هذا هو تأصيل الأمر وهذا هو الفصل فيه… فلا تبرئة لابن مجرم أو لابن نظام مجرم جلبه أصلا أبوه ورعاه وأعده إلّا أن يتبرأ الابن من نهج أبيه لأنه نهج فساد وضلال ويتبرأ من جرائم أبيه وموبقات أبيه ثم يُنظر في سيرته هو نفسه إن كانت نظيفة من الجريمة والفساد.
وهذا ينطبق على مناف ابن المجرم مصطفى طلاس كما انطبق على بشار بن حافظ المقبور… وينطبق على كل أبناء النظام الذين كانوا فيه وتقلبوا في مناصب عديدة هامة فيه.
ومن غير المقبول أبدا أن يخرج البعض على الفضائيات فيعطون وجهات نظرهم أو تمهيدات تدابيرهم ثم يلوون النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة ليؤصلوا وليثبتوا أقوالهم بدون تدبر وقياس أو تفكر عميق أو استدلال صحيح.. وبعض الناس يستمعون إليهم ويأخذون عنهم ويستشهدون بهم ..وأخطر ما في الأمر أن لا يعيدوا النظر في استدلالاتهم وأن لا يراجعوا ما استعجلوا فيه فيتراجعوا عما صدر عنهم.. والإنسان عندما يعلن رأيا ويصدره على العلن يبقى أسيرا لرأيه مدافعا عنه خشية سقوط هيبته وخشية تزعزع مكانته إلا المتقين وقليل من هم.
هذا تأصيل واستدلال من لا يزر وزر أبيه ومن يزر وهو أساس سياسي واضح متين ولابد من أصول أخرى لتقدير أين يجب أن يكون موقع كل منشق في صفوف الثورة وفي أي حكومة انتقالية أو دائمة في سوريا المستقبل …
أفكار مؤسسة صحيحة متينة هي ما تحتاجه سوريا المستقبل وبما يليق بالشعب السوري العظيم الذي فجر ثورة ليس كمثلها ثورة منذ قرون … والله أكبر.

 

المصدر: سوريون نت

 

المصادر: