سباق الدبلوماسية والحسم الثوري في سوريا

الكاتب : ياسر الزعاترة
التاريخ : ٤ ٢٠١٢ م

المشاهدات : 2995


سباق الدبلوماسية والحسم الثوري في سوريا

ساذج من يفترض أن الحرص على دماء السوريين هو الذي يحرك هذه الموجة المحمومة من الدبلوماسية التي تجتاح العالم بطوله وعرضه، من الدول الكبرى إلى المؤسسات الدولية، وصولا إلى المستوى الإقليمي.


نقول ذلك لأن الدم السوري لم يتوقف نزفه طوال 16 شهرا، لكن المجتمع الدولي لم يتجاوز تصريحات الشجب والتنديد، مع قدر من العقوبات الاقتصادية التي حرم بعضها مدام الأسد من الجلود الفاخرة وبعض المنتجات ذات الماركات العالمية، الأمر الذي يسهل عليها توفيره عبر المحطة العراقية والإيرانية، فضلا عن اللبنانية!!
لا نعدم بعض القوى العربية والإقليمية التي لم تبد ممانعة لإسقاط الأسد ونظامه، وفي مقدمتها قطر والسعودية وتركيا، من دون أن تمانع هي الأخرى، لاسيَّما السعودية في إيجاد حل دبلوماسي يخرجه من السلطة، وإن فضلت تركيا التخلص من النظام بالكامل بعد أن دخلت معه في حالة من القطيعة التي لا يجدي معها أي حل آخر، لاسيَّما أنها تدرك أن منظومة الحكم الطائفية لا يمكن أن تعتبر تركيا حليفا بعد المياه التي جرت في نهر العلاقات بين البلدين طوال الشهور الماضية منذ أن حسمت أنقرة موقفها بالكامل ضد بشار الأسد ونظامه.
أيا يكن الأمر، فقد ثبت بالوجه القطعي أن القوى الدولية الفاعلة لا تريد لنظام الأسد أن يسقط بالكامل، وأنها تفضل حلا سياسيا يبقي النظام بشقه الأمني والعسكري، فيما يجري تغييرات على البعد المدني يحاكي التجربة اليمنية، ولعل السبب الأبرز خلف هذا التوجه إنما يكمن في الهواجس الإسرائيلية التي تحكم السياسة الأميركية، وتبعا لها الغربية، وانضمت إليها أخيرا الروسية في ظل حرص بوتن على إرضاء تل أبيب التي جاءها زائرا محملا بحميمية لافتة جعلته يتشبث مثل اليهود بحائط المبكى (البراق) الذي قال إنه وجد التاريخ اليهودي محفورا على حجارته وحجارة القدس رغم علمه بأن المنطقة التي كان يقف فيها هي جزء من الأراضي المحتلة عام 67، والتي تقول القرارات الدولية إن على "إسرائيل" أن تعيدها لأصحابها الفلسطينيين. ولا شك أن أي حل دبلوماسي مقترح ينبغي أن يضمن لروسيا عدم الشعور بالهزيمة التي شعرت بها ضمنيا في الحالة الليبية، في ذات الوقت الذي يخدم فيه الحل هواجس الإسرائيليين الذين يريد معهم علاقات استراتيجية تخلصه جزئيا من هواجس التدخل في شأنه الداخلي وتصويره بأنه دكتاتور يتلفع بثياب ديمقراطية.
والحال أن بوتن، ومعه سائر الحريصين على الحل السياسي، لم يفعلوا ذلك إلا بعد التأكد من أن المسار الثوري والعسكري بات يميل لصالح الثوار بشكل واضح (ينطبق ذلك على إيران من دون شك). ومن يتابع تقارير مراسلي الصحف والوكالات الأجنبية سيلمس أن ميزان القوى قد تغير على الأرض. وحين يؤدي أعضاء الحكومة الجديدة القسم أمام الرئيس وأصوات الانفجارات والرصاص تدق أسماعهم فذلك تأكيد على ما ينقله أولئك المراسلون من شهادات. وحين يقول الرئيس أمام حكومته الجديدة إن سوريا تواجه حربا حقيقية، فإن المشهد لم يعد كما كان حين هو نفسه يتحدث قبل أسابيع فقط عن شراذم يخرجون إلى الشارع بالمال (25 دولارا لكل متظاهر!!).
لقد تغير الوضع بعد حصول الجيش الحر على مزيد من الأسلحة، فيما اتسع نطاق الانشقاقات في الجيش الذي أنهك بسبب استمرار الحرب على الأرض، مقابل التطور اللافت في جرأة الثوار وتقدمهم بشكل شبه يومي في محاولة لاجتياح دمشق المدينة بعدما سيطروا على الكثير من الضواحي، فضلا عن مدن أخرى مثل حمص، وكذلك إدلب التي تكاد تتحول إلى منطقة آمنة وربما عازلة يأوي إليها الثوار، ومعها دير الزور وحماة وعدد من المناطق الأخرى.
كل ذلك أقنع الجميع بأن النظام يزداد ترنحا كل يوم، وأنه يوشك على السقوط، وعليهم تبعا لذلك أن يسبقوا الحسم الثوري العسكري بحل سياسي يضمن (مصالح الدولة العبرية بشكل أساسي)، دون تجاهل مصالح الآخرين الذين يخشون من وقوع سوريا في يد قوىً ليس من السهل السيطرة عليها. وحين يتحدث عاموس جلعاد رئيس الدائرة الأمنية والسياسية لوزارة الأمن الصهيوني عن إمبراطورية إسلامية تتشكل وسيكون سقوط بشار إيذانا بسطوع شمسها، فهذا يعني إشارة بضرورة التحرك للحيلولة دون ذلك، مع العلم أن وقف مسيرة الربيع العربي هي مصلحة لمعظم القوى، ومن بينها الدول العربية التي لم يصلها قطار الربيع بعد، وإن دق بابها بهذا القدر أو ذاك.
لا يمكننا الجزم هنا بمآل هذا الجهد الدبلوماسي المحموم، وما إذا كان سينجح في الوصول إلى مبتغاه قبل الحسم العسكري، أم ستحول تناقضات القوى الفاعلة فيه دون ذلك وصولا إلى نجاح الحسم قبل الاتفاق عليه، لاسيَّما بعد أن حسمت تركيا أمرها إثر إسقاط طائرتها، وشرعت تدشن مرحلة جديدة أكثر وضوحا في دعم المسار الثوري العسكري.
ما نتمناه أن يكون للثوار وممثليهم رأي حاسم في أية مشاريع تبقي نظام الأسد الأمني والعسكري كجزء من الحل السياسي، فضلا عن الإبقاء عليه شخصيا كما هو حال بيان جنيف الأخير. أما الأهم فهو تصعيد العمل الشعبي والعسكري لإسقاط النظام وتفويت الفرصة على المؤامرات الجارية.

 

المصدر: العرب القطرية

المصادر: