حكم الإسلام في دعم الجيش السوري الحر

الكاتب : أحمد بن فارس السلوم
التاريخ : ١٤ ٢٠١٢ م

المشاهدات : 3428


حكم الإسلام في دعم الجيش السوري الحر

ارتفعت أصوات العلماء في أنحاء الأرض بضرورة نصرة المسلمين في بلاد الشام والذب عنهم، والقيام بالحد الأدنى من النصرة الذي يرفع عن المسلمين الحرج والإثم، كما دل على ذلك قوله - عز وجل -: {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر..}، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يخذله ولا يحقره))، إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي لا تخفى، فإن وجوب نصرة المسلمين من المعلوم في الدين من الضرورة.

 


وفي سبيل تهذيب هذه النصرة وإيضاحها فإنني أقول:
1- إن جهاد الباطنيين النصيريين من أعظم القربات إلى الله، وما زال هذا معروفاً عند العلماء قديماً وحديثاً، وما زالت فتاويهم تخرج بذلك.
ولعل أشهر أحوالهم مع هؤلاء الباطنيين ما قام به الإمام القدوة أبو بكر محمد بن أحمد الرملي المعروف بابن النابلسي، محدث زمانه، فقد أتى به بنو عبيد في الأغلال، وقالوا له: بلغنا أنك قلت: إذا كان مع الرجل عشرة أسهم، وجب أن يرمي في الروم سهماً، وفينا تسعة، قال: ما قلت هذا، بل قلت: إذا كان معه عشرة أسهم، وجب أن يرميكم بتسعة، وأن يرمي العاشر فيكم أيضاً، فإنكم غيرتم الملة، وقتلتم الصالحين، وادعيتم نور الإلهية، فشهروه ثم ضربوه، ثم أمروا يهودياً فسلخه.
قال أبو ذر الحافظ: "سجنه بنو عبيد، وصلبوه على السنة، سمعت الدار قطني يذكره، ويبكي، ويقول: كان يقول: وهو يسلخ: {كان ذلك في الكتاب مسطوراً}".
ولعمر ربك إن ما فعله هؤلاء القرامطة الباطينيون النصيريون بإخواننا من أهل الشام لهو أعظم مما فعله بنو عبيد مع ابن النابلسي الشهيد، وأشد وأنكى، وما حمزة الخطيب وجرائم بابا عمرو عنكم ببعيد.
ولذلك نقول: إن جهادهم أفضل من مجاهدة اليهود والنصارى، لأن ضررهم على الإسلام أشد، وقد أفتى العلماء قديماً وحديثاً بوجوب مجاهدتهم وقتالهم، فكيف الآن وقد يسر الله السبل، وهيئ الجهاد، بعد أن كانوا عقوداً متغلبين لا يستطيع أحد مناجزتهم.
وأما فتيا شيخ الإسلام وابن الشام الإمام ابن تيمية الدمشقي فيهم فهي مشهورة، فإنه قال عنهم: "كفار باتفاق المسلمين، لا يحل أكل ذبائحهم، ولا نكاح نسائهم; بل ولا يقرون بالجزية; فإنهم مرتدون عن دين الإسلام، ليسوا مسلمين; ولا يهود، ولا نصارى، لا يقرون بوجوب الصلوات الخمس، ولا وجوب صوم رمضان، ولا وجوب الحج; ولا تحريم ما حرم الله ورسوله من الميتة والخمر وغيرهما. وإن أظهروا الشهادتين مع هذه العقائد فهم كفار باتفاق المسلمين".
ثم قال: "وأما استخدام مثل هؤلاء في ثغور المسلمين أو حصونهم أو جندهم فإنه من الكبائر - قلت: فكيف بالولاية العامة والله المستعان- وهو بمنزلة من يستخدم الذئاب لرعي الغنم: فإنهم من أغش الناس للمسلمين ولولاة أمورهم، وهم أحرص الناس على فساد المملكة والدولة وهم شر من المخامر الذي يكون في العسكر; فإن المخامر قد يكون له غرض: إما مع أمير العسكر، وإما مع العدو. وهؤلاء مع الملة، نبيها ودينها، وملوكها; وعلمائها، وعامتها، وخاصتها، وهم أحرص الناس على تسليم الحصون إلى عدو المسلمين..". انتهى كلامه - رحمه الله -، وهو حق لا يرتاب فيه من عنده مسكة من علم.
2- نصرة أهل الشام واجبة على كل مسلم بحسب طاقته، على ألا تخرج النصرة عن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: ((جاهدوا المشركين بأيديكم وأموالكم وألسنتكم)).
فمن استطاع الجهاد بالنفس وجب عليه، ومن استطاع الجهاد بالمال وجب عليه، فإن لم يستطع ذلك فلا أقل من أن ينصرهم بلسانه، بأن يبين أمرهم للناس، ويشتغل بأخبارهم، ويدعو لنصرتهم، ويقنت لله - عز وجل - مستنصراً لهم.
قال ابن تيمية: "والعاجز عن الجهاد بنفسه يجب عليه الجهاد بماله في أصح قولي العلماء.. فإن الله أمر بالجهاد بالمال والنفس في غير موضع من القرآن، وقد قال الله - تعالى -: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) أخرجاه في الصحيحين، فمن عجز عن الجهاد بالبدن لم يسقط عنه الجهاد بالمال، كما أن من عجز عن الجهاد بالمال لم يسقط عنه الجهاد بالبدن". ا. هـ.
3- المتظاهرون الذين خرجوا في سبيل الله وابتغاء وجهه مجاهدون في سبيله، لهم حكم المجاهدين، وإن لم يكن بأيديهم سلاح، فالجهاد ليس مقصوراً على مقاتلة الكافرين والمشركين بالسيوف والقنابل، بل من خرج في المظاهرات فجاهدهم بلسانه أو برمي الحجارة أو إحراق الإطارات أو أي شيء يستطيعه يبلغ به، ويغيظ به أعداء الله الكفار فذلك جهاد، وهو من المجاهدين، وقد ثبت في صحيح مسلم في قصة فتح المدينة التي جانب منها في البر وجانب منها في البحر، قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإذا جاؤوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم، قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط أحد جانبيها، ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر، فيفرج لهم فيدخلوها فيغنموا..)) الحديث، ولا شك أنهم مجاهدون وإن افتتحوا المدينة بالتكبير.
4- إن القائم الآن بنصرة المسلمين في بلاد الشام هو الجيش السوري الحر، فهذا الجيش يجب نصرته بكل السبل، لأنه قائم بالنصرة الواجبة.
والمنتسبون إليه مجاهدون في الظاهر، تجري عليهم أحكام المجاهدين، ويبعثون على نياتهم يوم القيامة، لكن الواجب علينا نصرتهم بكل ما نملك؛ لأنهم هم من رفعوا راية الدفاع عن الإسلام في بلاد الشام.
ولا شك أن دعمهم بما يحقق هدفهم في نصرة المسلمين من أوجب الواجبات، بل البذل لهم مقدم على كل بذل، كما قال ابن تيمية وغيره من أهل العلم: "لو ضاق المال عن إطعام جياع والجهاد الذي يتضرر بتركه قدمنا الجهاد وإن مات الجياع" ا.هـ.
فكيف ونحن -والحمد لله- في سعة من المال نستطيع أن نستوعب هؤلاء وهؤلاء بأموالنا.
5- إن دفع الزكاة للمجاهدين في الجيش السوري الحر من أي مسلم كان في أطراف المعمورة هو خير من دفع الزكاة للفقراء في بلده، وإن كان هذا الجيش خارجاً عن بلد المزكي، وذلك لأن نفع البذل لهم عائد على الأمة كلها، بخلاف البذل ودفع الزكاة للفقراء في بلد المزكي فإن النفع هنا قاصر غير متعدٍٍ، ولا شك أن في فتح بلاد الشام وتحريرها من أيدي الزنادقة النصيريين خير عام على الأمة الإسلامية، بل وعلى البشرية جمعاء.
ولذلك أقول:
من كان عنده درهم يريد أن يتصدق به فليدفعه للمجاهدين في الجيش السوري الحر، فإنه أعظم وأكثر أجراً.
ومن كان عنده يجيد القتال وفنونه فليلتحق بهذا الجيش.
كيف وقد اختار النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه جند الشام وسكنى الشام.
فقد ثبت في الحديث المشهور: ((تكون أجناد جند بالشام وجند باليمن وجند بالعراق، فعليكم بالشام - ثلاث مرات -، فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله..)) الحديث، فمن كان يؤمن بالله ورسوله فإنه يقبل اختيار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونصيحته، فهو - صلى الله عليه وسلم - أشد الخلق شفقة ورحمة بأمته؛ {بالمؤمنين رؤوف رحيم}، فمن لم يستطع أن يكون في أجناد الشام فلا أقل من أن يجهز غازياً في هذه الأجناد المنصورة، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من جهز غازياً فقد غزا))..
ألهمنا الله الرشد والصواب، ونصرنا على المبطلين والزنادقة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

المصدر: مدونة د . أحمد بن فارس السلوم

المصادر: