الشيخ أسامة اليتيم.. رجُل أمّة -ترجمة لحياة الشيخ تقبله الله-

الكاتب : أسرة التحرير
التاريخ : ١٧ ٢٠١٥ م

المشاهدات : 7464


الشيخ أسامة اليتيم.. رجُل أمّة -ترجمة لحياة الشيخ تقبله الله-

 

إنما تنقص الأرض بموت العلماء، فكيف إذا كان صاحب علم وجهاد جمع الله عليه أهل منطقته حتى قضى بينهم بالعدل، وأصبح صمام أمان أمام كثير من النزاعات والمفسدين..

إذا ما مات ذو علمٍ وتقوى **فقد ثلمت من الإسلام ثلمة

وها نحن نبكي وداع عالم عامل ـ نحسبه والله حسيبه ـ بكته حوران بل بكته سوريا بأسرها، عرفه الجميع رجلَ مرحلة..

تقبله الله في الشهداء

 

مولده ونسبه:
أسامة عايد اليتيم، من مواليد مدينة جاسم في درعا عام 1-10-1974م.


دراسته وتحصيله العلمي:
تخريج أسامة اليتيم من ثانوية الإمام النووي للعلوم الشرعية بدرعا وكان من الدفعة الأولى في تلك الثانوية، ثم سجل في كلية الشريعة بجامعة دمشق وترفع إلى السنة الثانية، كان حينئذ قد تم قبوله في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ضمن تزكية المرحوم الشيخ عبد العزيز أبازيد مدير الثانوية الشرعية بدرعا آنذاك، فدرس في كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية وتخرج منها، ثم حصل على دبلوم في الفقه وأصوله ودبلوم في الدعوة، ثم سجل لدراسات الماجستير - قسم الفقه وأصوله - جامعة ام درمان فرع سوريا وكانت رسالته في تحقيق مخطوط في مقاصد الشريعة للعز بن عبد السلام، وكان من المفترض أن يتقدم بالبحث في صيف 2011 م لكن الثورة السورية المباركة كانت حائلاً إذ أخذت عليه وقته واهتمامه.


الشيخ أسامة والثورة السورية:
يعتبر الشيخ أسامة من أوائل الذين شاركوا في الثورة السورية منذ الأيام الأولى لانطلاقتها، حيث شارك في المظاهرات كما شارك بعلمه وقلمه، وكان من أوائل من خطب في ميادين جاسم في حوران في بداية الثورة واجتمع الناس عليه، وانتشر له أول فيديو وهو يناشد أهل دمشق وحلب نصرة أهل حوران في مظاهرة جاسم في 8-4-2011، ثم اعتقله نظام أسد  8 أشهر، وبعد خروجه من المعتقل  خرج إلى الأردن وعمل مع إخوانه في الدعوة والإغاثة، وأصبح بيته نزلا للنازحين والمشردين.


أعمال الشيخ أسامة في الأردن:
1- نشط الشيخ أسامة في مكتب هيئة الشام الإسلامية في الأردن، والتي تعتبر من أكبر المؤسسات العاملة في سوريا دعوياً وتربوياً إضافة للعمل الإنساني قبل أن ينفصل عنها في مؤسسة مستقلة، والشيخ يعتبر أحد أعضائها وأحد أعمدة مكتبها العلمي الذي ذاعت فتاواه في الثورة السورية.
2- ساهم في تأسيس رابطة أهل حوران، وتعتبر أكبر منظمة اجتماعية تعمل في حوران، وكان الشيخ أسامة مديرها التنفيذي في الأردن منذ تأسيسها حتى مغادرته الأردن.


أعمال الشيخ في الثورة في الداخل السوري:
1- كان أسامة اليتيم - رحمه الله - الداعي لمشروع الهيئة الإسلامية الموحدة في المنطقة الجنوبية لجمع شتات الدعاة في بيت دعوي واحد، وكان من أوائل من مارس العمل الدعوي في حوران وساهم في تنظيمه.
3- أسس مع إخوانه ورفيق دربه الشيخ بشار الكامل الذي اغتالته يد الغدر في حوران بتاريخ 2-9-2015، دار العدل في حوران بعد أن أصبح الأمن ضرورة ملحة في حوران، فقام بجهود مبرورة في إقناع كافة الفصائل في حوران بالتوقيع على الاعتراف بدار العدل وحصل ذلك بعد جهد 6 أشهر من الجولات اليومية والمتكررة التي كان الشيخ يقوم بها بنفسه التي أرهقته بدنياً، ونفسياً، وأسرياً، ومادياً، وبعدها أشهرَ الشيخ أسامة اليتيم رحمه الله دار العدل، الذي يعتبر أفضل مشروع موحد للمحاكم في سوريا، حيث حاز على المركز الأول في تقييم المحاكم لعام 2015 رغم الانتقادات الموجهة له.

4- كان له الدور الكبير في بناء علاقات متينة بين العديد من منظمات الداخل والداعمين في الخارج لكونه كان محل ثقة كبيرة من الداعمين.
5 - كان داعية لله تعالى فهو خطيب الجامع الكبير في جاسم، لم يخن المنبر والدعوة في كتمان الحق كما هو حال العديد من الخطباء، وقد دفع فاتورة البيان من دمه ودم إخوانه ورفاقه.
وكان رحمه الله متواضعاً ويستقبل في بيته كل سوري وخاصة الأرامل والأيتام فكان يدخل في بيته كل من يراه بحاجة إلى المأوى، لمجرد أنهم مشردون ﻻ سكن عندهم، يطعمهم ويسقيهم ويؤويهم.. فيمتلئ بيته بالضيوف.
وكان رحمه الله رجل دولة بامتياز، استشعر في وقت مبكر حجم الكارثة التي أحاطت بسوريا وأهلها، لكنه لم يقف مكتوف الأيدي، وسعى بكل وسيلة لرأب الصدع وجمع الكلمة.


بعض المعاني و العبارات التي كان يكثر من تردادها رحمه الله:
1- فاتورة البيان أخف من فاتورة الكتمان.
2- الإسلام هو العلم بالحق ورحمة الخلق، وهذا كان عنوان خطبة جمعة هذا الأسبوع له.
3- ابن تيمية رحمه الله ترك معاركه العلمية والفكرية ضد مخالفيه عندما هجم التتار والمغول على الشام، وحاول أن يستعين بمخالفيه ويوحد صفهم ضد عدوهم المشترك من الغزاة الذين لا يفرقون بينهم.
4- النظام لا يفرق بيننا في حربه ونحن عنده صنف واحد  فلماذا نفرق نحن أنفسنا وندمن لغة التصنيف الديني فيما بيننا، دعونا من التصنيف ولنجتمع على عدونا ،
5- العقاب يعم الساكت والراضي.


وهذا جزء من آخر خطبة له في الأسبوع الماضي:
"واجب المجتمعات في التغيير "
القرى الظالم أهلها
العقاب يعم الساكت والراضي ..
هناك قاض ظالم ومحكمة ظالمة ومجتمع ظالم ..
المجتمع الذي يشفع في حدود الله مجتمع ظالم
المجتمع الذي لا يعين على تطبيق شرع الله مجتمع ظالم
المجتمع الذي يرى الظالم والسارق والقاتل وقاطع الطريق ثم لا يأخذ على أيديهم مجتمع ظالم

 

استشهاده:
اغتال مجهولون الشيخ أسامة اليتيم، رئيس محكمة دار العدل في حوران، مع اثنين من أشقائه ومرافقه، على الطريق الواصل بين مدينة درعا وبلدة صيدا، يظهر يوم الثلاثاء 15 كانون الأول عام 2015.
حيث استهدفوا سيارتهم بالرصاص فقُتلوا جميعًا رحمهم الله، وتم نقل جثامينهم إلى مشفى تل شهاب، وُري الثرى في مسقط رأسه في مدينة جاسم. تقبله الله وأسكنه فسيح جنانه. 

 

قيل عن الشيخ -تقبله الله-:
قال عنه أستاذه في الثانوية، ورئيس رابطة أهل حوران سابقاً الشيخ محمد راشد الحريري:
رحمة الله عليك يا أسامة عايد اليتيم يا أباعُمَر..
عرفتك طالباً لي في ثانوبة أبي تمام في جاسم وفي ثانوية الإمام النووي للعلوم الشرعية بدرعا ، وعمل معي في رابطة أهل حوران خلال رئاستي للرابطة؛ وكنت أزداد حباً له يوماً بعد يوم ..
عرفت فيه الصدق والزهد وورع الشيوخ وهو لما يزل شاباً في ميعة الصبا، ففي رحمة الله يا شهيد الحق ...
ولقد كان آخر لقاء جسدي بيننا في مؤتمر المانحين باسطنبول؛ جاء إلي طاولتي وكان يجلس معي المرحوم أ. سليمان الفاضل (وهو الآخر أستاذه) مدير الثانوية الشرعية الأسبق.وقال لنا: مهما تعلمنا فأنتم أساتذتنا والفضل بعد الله لكم؛ وكم أحبكما أنتما الاثنين!.
أما آخر تواصل فكان أمس (قبل استشهاده بيوم واحد) يوم الاثنين؛ حيث أرسلت له بحثاً كتبته للمحكمة عن طريقة تنفيذ القصاص حسب الأصول الشرعية؛ وأظننا بحاجة هذا البحث لتطبيق القصاص على من جنى على حياته!
وبهذه المناسبة أعزي نفسي ورابطة أهل حوران وأقدم أحر التعازي إلى آل اليتيم أحبتنا وأصحابنا وجوارنا في مدينة الشهداء والفداء "جاسم" إنا لله وإنا إليه راجعون.
وهكذا يقبض الله عالماً جليلاً ومجاهداً، كان حريصاً على إقامة الحق والعدل في أرض الله.


كما كتب الناشط عمر المرادي معزياً باستشهاده:
كان رحمه الله رجل دولة بامتياز, مستشعراً في وقت مبكر حجم الكارثة التي أحاطت بسوريا وأهلها, لكنه لم يقف مكتوف الأيدي, سعى بكل وسيلة لرأب الصدع وجمع الكلمة.
فكانت ولادة مشروع دار العدل في حوران على يديه, حيث وحّد للمرة الأولى السلطة القضائية في حوران تحت مظلة موحدة, وكل الفصائل يتبعون لها, واعتمد على نسخة معدلة ومنقحة من القانون العربي الموحد, أرسل نسخاً منه لاعتماده في محاكم حلب وإدلب.
اليوم خسرت سوريا وثورتها أحد أهم أصوات الاعتدال والبناء والتحرير في وجه الطغاة والغلاة في جنوب سوريا.. وفي مثل هذا اليوم قبل أعوام خسرت سوريا الحرة أحد محرريها الأبطال الشهيد بإذن الله أبو فرات.
رحم الله تعالى أخي الحبيب القاضي الشيخ أسامة اليتيم وتقبله في عليين, وعظم الله أجرنا في مصابنا.


وكتب ابن بلده الشيخ د. ياسر المقداد معزياً باستشهاده:
رحم الله حبيبنا أباعمر، وجبر مصابنا ومصاب الأمة به، كان نعم الصاحب، كان له الفضل في تأسيس أول مراكز دعوية في حوران مع ثلة من إخوته، بعضهم سبقه إلى ربه وبعضهم لا يزال قائماً بالحق، كان عصامياً وفياً لأصحابه رقيق القلب، عاقلاً حصيفاً، اجتمع عليه الإخوة في حوران، سبقه صاحبه ونائبه في رئاسة دار العدل الأخ بشار الكامل، وهذان الاثنان هما من بنى صرح القضاء في حوران.

أرجو الله أن يكون هذا وغيره من أعمال أخرى أعرفها ذخراً متقبلاً لهما عند الله. خسارة كبيرة لحوران ولسوريا بفقدك أبا عمر
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


كما كتب عدد من الشعراء والمثقفين قصائد رثاء بحقه،

فقد كتب الشاعر أنس الدغيم أبياتاً يقول فيها:

سيبقى كلُّ جُرحٍ فيكَ بدراً
                               يضيءُ الدّربَ للجيلِ الهُمامِ
وتبقى في خواطرنا يتيماً
                              ولا كأســامةٍ بينَ الأسامي
لأنّكَ واضـحٌ شهــمٌ كريـــمٌ
                              فقد غيظتْ خفافيشُ الظلامِ
سيُقتَلُ قـاتلٌ وتظلُّ حيّـاً
                              ودارُ العدلِ تشرقُ في الأنامِ
وليس طريقُ أهلِ الحقِّ ورداً
                             وهذا منهجُ الرّسُلِ الكرامِ
ويُختَمُ للطغاةِ بشرِّ عُقبى
                            وترقى أنتَ يا مسكَ الختامِ

وكتب مالك عرقسوسي أيضاً أبياتاً يرثيه فيها ويقول:

أبا عمَرٍ نبكيكَ يا أيّها البدرُ ** ولوعاتُنا نارٌ لها في الحشا جَمْرُ
نُعزَّى نُعزّي، كُلّنا ذو مصيبةٍ ** إلى بعضنا نرنو، وأحداقُنا حُمْرُ
رحلتَ فحورانُ العظيمةُ جلجلتْ ** ودمعُ أهالي الشام -في فقدكم- هَمْرُ
سقيتَ بدار العدلِ غرسًا فأثمرتْ ** جنًى طيبًا، والساقُ في عُمْقِها جذْرُ
وذُدتَ عن الدين الذي طالَ حُسنَهُ ** غُلاةٌ كأولاد الأفاعي لهم مكْرُ
فيجزيكَ مَن أرخصتَ روحًا لأجلِه ** حواصلَ طيرٍ عند بارئها خُضْرُ

 

بيانات التعزية باستشهاده:
أصدرت مجموعة كبيرة من الهيئات العلمية والشرعية والمؤسسات الثورية والفصائل العسكرية بيانات تعزية باستشهاده وعبرت عن حزنها ومصابها الكبير باستشهاد الشيخ الذي كان رجل أمة.  وهذه صور من بيانات التعزية:
تعزية المجلس الإسلامي السوري:

 

تعزية هيئة الشام الإسلامية:

 

تعزية الشيخ أسامة الرفاعي:

 

تعزية محكمة دار العدل:

 

تعزية حركة أحرار الشام:

 

تعزية جيش الإسلام:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
** تمت الاستفادة من مواد كتبها زملاء الشيخ ومشايخه ومقربوه في ترجمته ورثائه.

 

المصادر: