ثوار حلب في مواجهة الطوق الإيراني الروسي

الكاتب : مركز عمران للدراسات الاستراتيجية
التاريخ : ١٣ ٢٠١٦ م

المشاهدات : 2731


ثوار حلب في مواجهة الطوق الإيراني الروسي

ملخص:

تقدمت قوات التحالف الإيراني الروسي في ريف حلب الشمالي على مناطق سيطرة فصائل الثورة السورية، وتمكنت من الوصول إلى نبّل والزهراء، ووضع جبهة حلب أمام خارطة ميدانية جديدة ومتطورة مع استمرار المعارك ومحاولة التوسع لحصار مدينة حلب. وبسبب تفوق الفصائل الثورية في الاشتباكات المباشرة، اعتمد التحالف الإيراني الروسي على التفوق الناري والكثافة الهائلة لعمليات القصف.

وساعده على التقدم استنزاف الفصائل في معركة ريف حلب الجنوبي وتقنين الدعم عليها بعد التدخل الروسي وضعف التحصينات الهندسية للثوار، وهو ما يجعل أولوية الثوار السوريين الميدانية بناء خطوط دفاعية وتحصينات هندسية متينة، لإعاقة تقدم التحالف والمحافظة على طرق الإمداد والمساحات المتبقية. ومن جانب آخر يقدم الوضع الأخير زخماً مضاعفاً لمبادرات التوحد المطروحة بين الفصائل الثورية حيث تحظى مبادرة الجبهة الشمالية بالفرصة الأكبر للتطبيق فيما بينها. وبانفصال ريف حلب الشمالي عن المدينة، يصبح وسط ثلاث جبهات مفتوحة عليه (التحالف الإيراني الروسي، تنظيم داعش، وحدات حماية الشعب الكردية)، ويهدد هجوم وحدات حماية الشعب بتقطيع المتبقي منه ما يضاعف من خطورة وضع الثوار في الريف الشمالي، ولكنه يقع ضمن استثناء كونه منطقة لا وجود فيها لتنظيم القاعدة، ما يوفر خيارات جديدة لاختبار سياسات جهات محلية ودولية انبنت على مواجهة أو تجنب تنظيم القاعدة.
ويواجه الحلف الإقليمي الداعم للثورة السورية، تحديات خطيرة أمام الوضع الجديد وتقدم التحالف الإيراني الروسي المستمر، مع استمرار غياب الدعم النوعي سياسياً وعسكرياً للثورة السورية، بينما يصعب الحسم تجاه جدية مشروع العملية البرية التي اقترحتها السعودية في سوريا لمواجهة تنظيم داعش، رغم إمكانية التكهن بمساراتها المحتملة، ومدى تأثيرها على الفصائل الثورية والمسألة السورية.
وتواجه الثورة السورية بعد التدخل الروسي وتقدم التحالف الإيراني الروسي مرحلة تحولات خطرة، ولكنها تحافظ على إمكانات عسكرية وطاقات بشرية وشرعية شعبية وأخلاقية متجذرة، ما يجعل إنهاءها مهمة شبه مستحيلة، ولكن ضعف الحلف الداعم للثورة في مواجهة تحديات النفوذ الإيراني الروسي الأخير يضاعف من التكلفة البشرية والتاريخية لهذه الحرب.

 

أولاً: مقدمة:
خلال قرابة 60 ساعة (منذ ليل 1 شباط 2016م وحتى مساء 3 شباط)، استطاعت قوات النظام والميليشيات الشيعية متعددة الجنسيات التي تقودها إيران، مدعومة بالطيران الروسي، أن تصل إلى بلدتي/معسكري نبل والزهراء، بعد قرابة 3 سنوات من وضع شبه الحصار، عبر السيطرة على بلدات: (دوير الزيتون، تل جبين، حردتنين، معرستة الخان) بالترتيب، مع استمرار التمهيد الناري ومحاولات التقدم شمال وجنوب هذا الخط الجديد الواصل إلى نبل والزهراء.
وتمكنت قوات التحالف الإيراني-الروسي بهذا التقدم الأخير من الفصل ما بين الجزء الأكبر من ريف حلب الشمالي (المنطقة شمال معرستة الخان) ومدينة حلب، ما يترك طريق إمداد حلب الوحيد هو طريق الكاستيلو الذي يصل إلى ريف حلب الغربي وريف إدلب.
ويستمر التحالف الإيراني الروسي بمحاولة توسيع مناطق سيطرته، بالتوازي مع محاولة قوات وحدات حماية الشعب الكردية التقدم نحو اوتوستراد إعزاز ومطار منغ العسكري، ومع محاولة تنظيم داعش التقدم من جهته أيضاً، ما يضع الفصائل الثورية تحت وطأة هجوم ثلاثي، في ظل دعم دولي ضمني للتحالف الإيراني-الروسي وتقنين واضح في الدعم العسكري للفصائل الثورية منذ التدخل الروسي.
وقد دفع التقدم الأخير نحو ردود فعل إقليمية واسعة (إعلامية حتى الآن)، من طرف المحور الحليف للثوار السوريين (تركيا، السعودية، قطر)، بلغت أوجها بالتصريحات السعودية حول الاستعداد لتنفيذ عملية برية داخل سوريا ضد تنظيم داعش.
وتدرس هذه الورقة تفاصيل المعركة الأخيرة في ريف حلب الشمالي، وتكتيكات التحالف الإيراني الروسي القتالية وخططه القادمة، وخيارات الثوار السوريين في مواجهة التحالف الإيراني الروسي، ووضع ريف حلب الشمالي كمنطقة شبه محاصرة ومستنزفة وخالية من تنظيم القاعدة، وسيناريوهات العملية البرية المحتملة.
ثانياً: تسلسل الأحداث... اكتمال الطوق:
فيما بعد تحرير مدينة حلب (تموز 2012م)، بلغ الثوار تمددهم الأقصى في المحافظة مع بداية شتاء 2013م، واستدعى النظام لمواجهة ذلك تعزيزات عسكرية إضافة إلى ميليشيات شيعية متعددة الجنسيات (في مقدمتها حزب الله اللبناني)، واعتمد النظام على التقدم البطيء –ولكن المستمر- لتطويق مدينة حلب وقطع طريق إمدادها الوحيد (الكاستيلو) ضمن خطة دبيب النمل، منذ استعادته طريق إمداد قواته من معامل الدفاع في ريف حلب الجنوبي بإعادة احتلال خناصر والسفيرة (بداية تشرين الثاني 2013م)، وتمدده لاحقاً عبر اللواء 80 والشيخ نجار وحندرات، وصولاً إلى هجومه على ريف حلب الشمالي وسيطرته على باشكوي (17 شباط 2015م).
ولم تهدأ الاشتباكات في جبهات حلب وريفها التي تعتبر ضمن الأعنف والأكثف والأعلى تكلفة بشرياً وعسكرياً ومادياً في الحرب السورية، وشُنّت عشرات (وحتى مئات) محاولات الاقتحام المتكررة من الجانبين، والقصف المكثف الذي تجاوز عدد ضحاياه المدنيين 30 ألف إنسان، دون تغييرات جوهرية في الخارطة، إلى أن بدأ التدخل الروسي.
بدأت حملة إشعال الجبهات بعد التدخل الروسي (نهاية أيلول 2015م) في حلب على جبهة ريف حلب الجنوبي، واستطاعت قوات التحالف الإيراني-الروسي السيطرة على مساحة 380 كلم2، منذ بدء المعركة وحتى الهدوء النسبي بعد السيطرة على خان طومان (16/10/2015م – 30/12/2015م).
ورغم حجم خسارة المدرعات الكبير لقوات النظام والتحالف الداعم له بالصواريخ المضادة للدروع (خاصة التاو) التي استخدمتها فصائل الجييش الحر، إلا أن المعركة مثلت استنزافاً كبيراً لفصائل حلب والشمال السوري بعامة (كتائب ثوار الشام التي اندمجت مؤخراً في الجبهة الشامية كانت الأكثر استنزافاً)، وفقدت هذه الفصائل عدداً كبيراً من القادة الميدانيين، ومن المقاتلين، عدا عن استنزاف الذخيرة ومنظومة المضاد للدروع مع انخفاض الدعم الواضح للفصائل فيما بعد التدخل الروسي ومؤتمر فيينا خاصة (14/11/2015م).
واعتمدت تكتيكات تقدم التحالف الإيراني-الروسي على الكثافة النارية بشكل رئيس، والتي وفرها الطيران الروسي وسلاح المدفعية وراجمات الصواريخ قبل التقدم (واستقدم التحالف أسلحة تستخدم للمرة الأولى في حلب لهذه المعركة)، وأحياناً اعتمدت على التسلل وقطع طرق الإمداد بين نقاط الثوار أو الالتفاف على الخطوط الخلفية لنقاط الرباط قبل الاقتحام ما دفع لانسحابات سريعة في أكثر من منطقة، خاصة عند سيطرته على محور (العيس-الحاضر) ثم (حميرة-خلصة) التي سهلت الوصول إلى (القلعجية- زيتان) (تحتاج معارك ريف حلب الجنوبي تفصيلاً مستقلاً).
وخرجت فصائل الثوار من معركة ريف حلب الجنوبي باستنزاف بشري وعسكري وخسارة مناطق واسعة، تهدد بتحويل ريف حلب الغربي (الذي يعتبر خزاناً بشرياً رئيساً للثوار ومنطقة شبه خالية من الرباط) إلى خط رباط واستنزاف.
وقد استخدم النظام في معركته التالية في ريف حلب الشمالي استراتيجية عسكرية مشابهة لريف حلب الجنوبي، مع إدخال أسلحة جديدة مثل الدبابة T-90 والمقاتلة الحربية SU-35، واعتمد في سياسة الأرض المحروقة على راجمات الصواريخ وسلاح المدفعية بنسبة أكبر، إضافة إلى المقاتلات والمروحيات في القصف الجوي المكثف.
بعد الهدوء النسبي لجبهة ريف حلب الجنوبي، بدأ رصد حشود الميليشيات الشيعية متعددة الجنسيات ضمن معسكرات النظام المطلة على طرق ريف حلب الشمالي (باشكوي)، وكان من المتوقع أن يشن النظام هجوماً مشابهاً من حيث الأهداف لمعركة رتيان وحردتنين السابقة (شباط 2015م) حين تسللت فجراً قوة مشاة قوامها 500 عنصر تلة باشكوي ثم قرية رتيان وحردتنين، ووقعت تحت نيران فصائل الثورة السورية التي أرسلت مؤازرات ضخمة للمنطقة، ووقعت أغلب القوة المقتحمة للنظام والمدعومة بالميليشيات الشيعية بين قتيل وأسير، وسيصحح النظام والتحالف الإيراني-الروسي هذه الخطة في الاقتحام الأخير، متجنّباً تفوق فصائل الثوار في الاشتباكات المباشرة، ومستغلّاً التفوق الناري الذي يمتلكه.
بدأ الهجوم قرابة الساعة الثانية بعد منتصف ليلة الأول من شباط، تقدمت قوات التحالف الإيراني-الروسي (الفرقة الرابعة من جيش النظام، ميليشيا الدفاع الوطني، حزب الله اللبناني، حركة النجباء العراقية، كتائب حزب الله العراق، ميليشيات أفغانية، الحرس الثوري الإيراني) نحو مزارع دوير الزيتون، بآليات مدرعة وقوات مشاة، وتم طلب مؤازرات من قبل فصائل الثوار استطاعت إحباط الهجوم واستعادة معظم النقاط التي تقدم إليها مع صباح اليوم (1 شباط)، فانتقلت قوات التحالف إلى خطة "الأرض المحروقة"، عبر تمهيد ناري مكثف جداً (مدفعية الهاون والفوزديكا، وراجمات الصواريخ، والطيران الروسي)، تمكن التحالف عبره من الدخول إلى مزارع دوير الزيتون قرابة عصر اليوم، وفي الوقت نفسه تسللت قوات مشاة ومدرعات إلى تل جبين عبر طريق خلفي تشرف عليه نقاط تنظيم "داعش" شبه الهادئة منذ قرابة عامين، وبسيطرته على تل جبين المشرف على قرية حردتنين ورتيان، تمكن التحالف من رصد دقيق وقريب لمواقع الثوار، ومن توفير زخم قصف مضاعف، مع محاولات اقتحام عنيفة ومتكررة نحو بلدة رتيان (أُحبطت) وحردتنين التي سيطر التحالف على أجزاء منها.
أرسلت الفصائل الثورية في غرفة فتح حلب مؤازرات متتابعة إلى ريف حلب الشمالي (الجبهة الشامية، تجمع فاستقم، الفرقة 16، الفرقة 13، فيلق الشام، جيش الإسلام، أحرار الشام وغيرها) إضافة إلى طواقم المضاد للدروع التي استخدمت صواريخ الفاغوت والتاو (الفرقة الشمالية، الفرقة 13، الفرقة 16، الجبهة الشامية) وإن كان عبء معركة رتيان وحردتنين الأكبر قد وقع على ثوار المنطقة الذين يقودهم علي عيسى (أبو حمص رتيان) القائد العسكري السابق في أحرار الشام ثم في جيش الشام، والذي أصيب في نهاية المعركة إصابة خطرة.
وتركزت نقاط انطلاق قصف التحالف واقتحامه من محور باشكوي والمناطق التي اقتحمها (دوير الزيتون، تل جبين)، ولكن مع محاولات تسلل (أُحبطت) من محور نبل والزهراء باتجاه بيانون وماير.
وشملت "السجادة النارية" المناطق التي يحاول التحالف التقدم إليها في الطريق نحو (نبل والزهراء) والمساحة المحيطة ضمن ريف حلب الشمالي وطرق إمداده (مسقان، ماير، رتيان، بيانون، معرستة الخان، حريتان، كفر حمرة، وغيرها).
مع فجر اليوم الثاني للمعركة (2 شباط) كان التحالف قد نجح في السيطرة على حردتنين وأجزاء من مزارع معرستة الخان دون أن ينجح في اقتحام رتيان، ووصلت مؤازرات غرفة فتح حلب إلى أوجها، مع وصول رتل مؤازرات من جبهة النصرة، ولكن طبيعة الهجوم التي تعتمد الكثافة النارية ثم الاقتحام دون الاشتباك المباشر غالباً، حالت دون أن يكون الميزان العددي صاحب التأثير الأكبر، مع استمرار الاشتباكات في محيط حردتنين ومعرستة الخان، ووجود محاولات تسلل من محور نبل والزهراء تجاه بيانون وماير، واستمرار القصف المكثف على المناطق حول معرستة الخان (مسقان، ماير، رتيان، بيانون، حريتان...الخ)، التي تشكل صلة الوصل مع نبل والزهراء.

في نهاية ليلة 2 شباط كان طريق معرستة الخان مرصوداً نارياً، والاشتباكات على حدودها وعلى جبهة رتيان، وبلغت خسائر التحالف (حسب غرفة فتح حلب): تدمير عشر آليات مدرعة، من ضمنها عربتا BMB ودبابة T72، واغتنام عربة BMB أخرى. ومقتل قرابة 100 عنصر (معظمهم أجانب) حسب جهات الرصد.
في اليوم الثالث من المعركة (3 شباط)، استمرت محاولات التسلل والاشتباك من جهة نبل والزهراء تجاه بيانون (أُحبطت)، وانتقلت الاشتباكات بين التحالف والثوار إلى داخل معرستة الخان، إلى أن سيطر التحالف على مزارع وقرية معرستة الخان قرابة السادسة مساء، ووصلت بذلك إلى نبل والزهراء، بعد قرابة ثلاث سنين من وضع شبه الحصار.
وفي 5 شباط سيطرت قوات التحالف الإيراني-الروسي على بلدة رتيان التي شهدت أعنف اشتباكات المعركة وقرابة عشر محاولات اقتحام مع قصف هائل مسح معظم مبانيها، واستشهد من فصيل واحد في الجيش السوري الحر (كتائب الصفوة الإسلامية) 24 مقاتلاً، كما سيطر على بلدة ماير المحاذية لبلدتي/معسكري نبل والزهراء، لتستمر في توسيع طريق الوصل إلى نبل والزهراء، دون أن يهدأ القصف المكثف حول هذا الطريق ومحاولات الاقتحام للبلدات المحيطة، حتى كتابة هذه الورقة.
على حدود عفرين، فيما بعد انفصال ريف حلب الشمالي، فقد بدأت وحدات حماية الشعب (الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي) مع حلفائها ضمن قوات سوريا الديمقراطية (ومن ضمنها فصائل غير كردية وترفع علم الثورة السورية مثل جيش الثوار الذي ينتمي أغلب عناصره لريف إدلب)، بالتقدم من جهة عفرين، تجاه مناطق الفصائل الثورية المجاورة لهم، رغم وجود اتفاقات هدنة موقعة بينها وبين فصائل الجيش الحر في الريف الشمالي، وسيطرت قوات سوريا الديمقراطية تباعاً على القرى غرب أوتوستراد إعزاز(الزيارة، الخريبة، مرعناز، العلقمية، دير جمال، كفر انطون)، وتسعى بذلك إلى وضع نقاط على أوتوستراد إعزاز، وتهدف للسيطرة على مطار منغ العسكري أيضاً، وهو ما يهدد بفصل حواضر ريف حلب الشمالي الكبرى (تل رفعت، مارع، إعزاز) عن بعضها، ما يضاعف من خطورة وحساسية وضع الفصائل الثورية في ريف حلب الشمالي، ويضاعف الحاجة إلى دعم نوعي سريع.
وعلى جبهة داعش، فلم تشهد الأيام الأولى للمعركة تطورات جديدة، فيما عدا طرح وساطات (أقرب لأن تكون بروباغندا إعلامية) للهدنة بينهم وبين فصائل الثوار، والتوحد على قتال النظام والتحالف الإيراني (رغم وجود قرابة 150 كيلومتر كخطوط مواجهة هادئة بين التنظيم والنظام في محافظة حلب)، ولكن مجموعات التنظيم سارعت لاستغلال استنزاف الفصائل الثورية في ريف حلب الشمالي، لشنّ هجمات على مناطق سيطرة الثوار في قرية براغيدة وتم إحباطها.

ثالثاً: اتجاهات التحالف الإيراني الروسي المحتملة:
بعد تأمين الطريق الواصل إلى بلدتي نبل والزهراء، فإن التحالف الإيراني-الروسي سيسعى لتوسيع نطاق السيطرة شمال وجنوب هذا الطريق، لتأمينه وزيادة حجم استنزاف الفصائل الثورية، إضافة إلى استكمال تحويل جبهة حلب إلى جزر مقطعة يسهل حصارها، بدلاً من محاولات الاقتحام ذات التكلفة البشرية العالية خاصة في المدينة.
ويمكن أن يعمل التحالف على عدة محاور في هذه الخطة:
•    طريق الكاستيلو
وهو الطريق الواصل بين مدينة حلب وريف حلب الغربي باتجاه ريف إدلب، والذي أصبح خط الإمداد الوحيد بعد فصل الريف الشمالي، ويمتلك النظام إمكانية قطعه نارياً دون التقدم نحوه، سواء من خلال سلاح المدفعية القريب، أم من خلال تكثيف المراقبة الجوية، ولكن يمكن أن يعمل النظام على التسلل نحو الكاستيلو مباشرة أو عبر محور حندرات، أو بالسيطرة على تلة نصيبين المشرفة على طريق حريتان قبل ذلك.
•    جنوب خط الوصل
بيانون: جرت عدة محاولات تسلل من الزهراء نحو البلدة خلال المرحلة الأولى من المعركة، ويستمر القصف المكثف عليها (حتى تاريخ كتابة الورقة)، ويمكن أن توفر السيطرة على البلدة توسيع نطاق الأمان بالنسبة لطريق الوصل الجديد، كما توفر نطقة انطلاق نحو بلدة حيان.
تلة الطامورة: والتي جرت عدة محاولات اقتحام نحوها، كان آخرها وأعنفها (حتى تاريخ كتابة الورقة) في 8 شباط وتم إحباطها من طرف الثوار وقتل قرابة 50 عنصرٍ من الميليشيات الشيعية المقتحمة حسب الفصائل التي شاركت في المعركة.
ويضمن التحالف الإيراني الروسي بالسيطرة عليها تهديد عندان وقطع الطريق نحو ريف حلب الغربي دون رصد الكاستيلو، ويمكن أن يحاصر بذلك مثلث (عندان، كفر حمرة، حريتان) الفاصل بين المدينة والريف الغربي وخط الوصل الجديد إلى نبل والزهراء.

•    شمال خط الوصل
سيطر التحالف على بلدة ماير (5 شباط) ثم كفين (7 شباط) بعد إقامة خط الوصل، ويستمر في محاولة التقدم نحو كفر نايا ومسقان، وقد يستبق التحالف وصول إمدادات أو دعم جديد للريف الشمالي ضمن ردود الفعل الإقليمية على التقدم الأخير، بمحاولة السيطرة على أكبر مساحة ممكنة (باتجاه تل رفعت) لتأمين خط الوصل، ولاستنزاف فصائل الثورة هناك بشكل مضاعف.

•    ريف حلب الجنوبي
حيث جرت محاولات تقدم للتحالف الإيراني الروسي بعد المعركة نحو حرش خان طومان (أُحبطت)، وقامت فصائل الجيش الحر باستعادة السيطرة على بلدة الخالدية المجاورة لخان طومان، ولكن تبقى إمكانية أن يفتح التحالف معركة على المتبقي من جبهة ريف حلب الجنوبي قائمة، لتشتيت مؤازرات فصائل الثوار من ريف حلب الغربي، وقطع مساحة أكبر من الأوتوستراد الدولي، وفرض وضع جديد لريف حلب الغربي كخط رباط، مع خطة بعيدة المدى لفك الحصار عن بلدتي/معسكري كفريا والفوعة.

•    مدينة حلب
وذلك لإرباك فصائل المدينة التي ترسل مؤازراتها نحو الريف الشمالي، أو قطع المدينة إلى قطاعين (عبر جسر الصاخور)، وهو الخيار الأقل احتمالاً، بسبب تفوق فصائل الثوار في حرب المدن، وضعف تأثير التفوق الناري مقارنة بالمساحات المفتوحة.

رابعاً: خيارات الثوار:
على المستوى السياسي: فإن الهيئة العليا للمفاوضات، وهي أول كيان سياسي يجمع المعارضة السياسية والفصائل العسكرية، تقف على أرض خيارات صعبة مع ضعف الغطاء السياسي الإقليمي الداعم لها، ولكن يتاح لها أن تعتمد على الواقع الميداني في تفكيك سردية النظام والتحالف الإيراني الروسي الداعم له عبر إجراءات:
•    المحافظة على موقفها في رفض البدء بمفاوضات مع نظام الأسد دون تطبيق البنود الإنسانية حسب قرار مجلس الأمن 2254.
•    الإعلان أن خطة وقف إطلاق النار التي تصر عليها الولايات المتحدة (والتي ستتضمن وقف وتجريم أي دعم للفصائل الثورية)، لا يمكن تطبيقها بالمفاوضات مع النظام، بسبب أن نظام الأسد ليس من يقود العمليات على الأرض بعد تفكك جيش النظام وانهيار أغلب قواته، وإنما التحالف الإيراني الروسي، المعتمد على ميليشيات متعددة الجنسيات ذات بعد طائفي ومتورطة بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهو ما يجعل أي اتفاق وقف إطلاق نار بمثابة حظر عسكري من طرف واحد، باعتبار أن روسيا وإيران –غير المشمولتين بالاتفاق- سيبقى متاحاً لهم استكمال العمليات العسكرية استناداً إلى حجة مكافحة الإرهاب.
•    الانتقال إلى إعلان روسيا وإيران كدول تمارس احتلالاً مباشراً على الأرض السورية، والمطالبة بمراقبة دخول الميليشيات الأجنبية إلى سوريا عبر مطار دمشق الدولي حيث يصل مجندو الميليشيات العراقية والأفغانية، وهي المطالبة التي تتيحها قرارات مجلس الأمن بخروج المقاتلين الأجانب من سوريا.
•    الاستفادة من وضع ريف حلب الشمالي، كمنطقة لا وجود فيها لتنظيم القاعدة، في تفكيك حجة الإرهاب التي تستند إليها عمليات التحالف الإيراني الروسي، وفي إثبات مسؤولية النظام والتحالف الإيراني الروسي في المعاناة الإنسانية، وزيادة أعداد الهجرة.
على المستوى الميداني: لقد أظهرت السنوات السابقة التفوق الواضح للفصائل الثورية في حرب المدن والاشتباكات المباشرة، وأظهرت المعركة الأخيرة في ريف حلب الشمالي، والتي تمكن التحالف الإيراني-الروسي عبرها من السيطرة على مساحات مهمة خلال زمن قصير (قرابة 60 ساعة)، ضعفَ التحصينات الهندسية والخطوط الدفاعية للثوار رغم السيطرة على هذه المناطق منذ سنوات، وأظهرت كذلك أن خيار المواجهة في المساحات المكشوفة للكثافة النارية الهائلة سيؤدي لاستنزاف بشري وعسكري كبير، دون ضمان القدرة على الصمود الطويل.
وهو ما يجعل المعركة الراهنة، دون وجود سلاح نوعيّ معادل للتفوق الناري لقوات التحالف، معركة بناء خطوط دفاعية متينة وتحصينات هندسية قادرة على إعاقة تقدم قوات التحالف، أكثر مما هي معركة هجوم وانكشاف للتفوق الناري.
ويصبح تأمين الطريق الواصل بين المدينة وريف حلب الغربي، ضرورة استراتيجية، لضمان طرق الإمداد والمؤازرات، وحصر المواجهات بالاشتباكات المباشرة التي تحيّد التفوق الناري.
على المستوى الفصائلي: شكلت المعركة الأخيرة خارطة قوى جديدة حيث ريف حلب الشمالي منفصل عن المدينة والريف الغربي، ومحاصر ضمن قوات التحالف وتنظيم داعش ووحدات الـ YPG، وهذا الوضع الخاص ظهر على مستوى التشكيلات في وقت سريع من خلال إعلان "المجلس العسكري الموحد لريف حلب الشمالي"، ولكن دون أن يلغي وجود الفصائل وهيكلياتها، حيث الجبهة الشامية كبرى فصائل الريف الشمالي، والذي امتلك خاصية مضاعفة كونه أصبح في وضع جديد كلياً على الشمال السوري باعتباره منطقة لا وجود فيها لتنظيم القاعدة (وهو ما ستتكلم عنه الورقة في سادساً: رهانات الاستثناء).
ودراماتيكية الوضع الجديد، تسارع من خطوات تقارب الفصائل الثورية في حلب والشمال السوري بعامة، سواء ضمن غرف عمليات أم تحالفات جديدة على شكل جبهة، خاصة فصائل الجيش الحر الأكبر في حلب وإدلب وحماة، سواء بشكل مشترك أم منفصل لكل مدينة (في حلب: الجبهة الشامية، تجمع فاستقم، جيش المجاهدين، حركة الزنكي. في إدلب وحماة: جيش النصر، الفرقة 13، جيش العزة، الفرقة الشمالية، صقور الجبل) إضافة إلى فيلق الشام وأحرار الشام كأكبر قوتين ثوريتين ممتدتين في الشمال السوري (باعتبار أن جبهة النصرة تنظيم جهادي معولم ولا يعرّف نفسه ثوريّاً)،
وظهرت دعوات جديدة لتوحد الفصائل الثورية في حلب والشمال السوري، أهمها:
•    مبادرة طلبة العلم: أطلقها مجموعة من الشرعيين المقربين (أو المنتمين) من فصائل جهادية وثورية، وتقترح توحد الفصائل في قيادة عسكرية وتأسيس حكومة داخلية ومكتب سياسي موحد، ورغم كثافة التوقيعات عليها، ومن ضمنها توقيعات لشرعيين من فصائل حلب، فإنها قد لا تحظى بفرصة للنجاح على الأغلب.
•    مبادرة الجولاني: والتي اقترحها زعيم جبهة النصرة (أبو محمد الجولاني) بعد تحفظه على مبادرة طلبة العلم، واقترح من خلالها الاندماج الكامل لفصائل جيش الفتح والتنازل عن قيادة التشكيل الجديد، ولكنها واجهت تحفّظاً من حركة أحرار الشام بشكل رئيس.
•    مبادرة جيش حلب: أطلقها ثوار مدنيون في حلب بعد تقدم التحالف الإيراني الروسي في ريف حلب الشمالي، واقترحوا من خلالها اندماج 16 فصيلاً ثورياً (من فصائل حلب) ضمن هذا الجيش واختيار قائد موحد، وهي مبادرة قد لا تُطبق على الأغلب.
•    مبادرة الجبهة الشمالية: وهو مشروع يجمع فصائل الجيش الحر الكبرى في حلب وقد يتوسع لفصائل إدلب أيضاً، وهي المبادرة التي قد تحظى بالفرص الأكبر للتطبيق خلال الفترة القريبة القادمة.
خامساً: ردود الفعل الإقليمية:
ظهر تقدم التحالف الإيراني-الروسي في حلب، بالنسبة للمعارضة وحلفائها، باعتباره نتيجة للضغط الدولي على الثورة السورية سياسياً وعسكرياً منذ مؤتمر فيينا، والذي ظهر جلياً في محادثات جنيف3، سواء عبر سلوكيات المبعوث الدولي ستافان ديمستورا التي تجاوز من خلالها وفد المعارضة التفاوضي بدعوة وفود موازية ومحاولة تجاوز البنود الإنسانية إضافة إلى رسائل ظهرت كمساواة بين النظام والمعارضة من حيث الانتهاكات الإنسانية، أو عبر مقابلة حجاب-كيري التي تم تسريبها على أنها تهديدات من وزير الخارجية الأمريكي تجاه المعارضة (وهي التحذيرات التي كررها كيري في لقائه بالعاصمة لندن مع منظمات المجتمع المدني السورية)، وكذلك من خلال انخفاض الدعم الواضح لفصائل الثورة السورية بعد التدخل الروسي.
أظهر هذا الولايات المتحدة في وضع تحالف مع روسيا بالنسبة للوضع السوري، لصالح إيران من جهة، وضد المحور (التركي-السعودي-القطري) من جهة مقابلة، وهو ما فجّر ردود فعل من طرف هذا المحور تجاه التقدم الأخير في حلب:
أولاً: من خلال تصريح المسؤولين الأتراك الغاضب من دعم الولايات المتحدة لأعدائهم حزب الـ PKK حيث تتمدد وحدات حماية الشعب على الحدود التركية بدعم أمريكي روسي ويحتمل أن تتقدم أكثر (تجاه إعزاز) بعد حصار فصائل الثورة السورية في ريف حلب الشمالي.
ثانياً: من خلال تصريح المستشار العسكري لوزارة الدفاع السعودية العميد أحمد عسيري (4/2/2016م) بأن بلاده مستعدة للتدخل البري في سوريا "ضد تنظيم داعش" تحت مظلة التحالف الدولي، بالتزامن مع إعلان مناورات "رعد الشمال".

ومع سباق التصريحات والتسريبات حول نوايا التدخل البري في سوريا، فإن المطروح أن يتم تحت مظلة التحالف الدولي، وبمشاركة قوات دولية متعددة الجنسيات وبإشراف أمريكي، وهو ما يعني ضمن هذا السقف أنه سيتجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا وإيران في الساحل أو ريف حلب، أو أن يقدم دعماً مباشراً للفصائل الثورية، دون أن يلغي إمكان استفادة هذه الفصائل من الهوامش التي قد يتيحها مثل هذا التدخل (إن حصل)، وما زال يصعب التكهن والحسم تجاه حصول هذا التدخل حتى الإعلان عن بدئه ميدانياً، أما مناطق هذا التدخل البري الأكثر احتمالاً (إن حصل) حسب الترتيب:
•    القيام بعمليات إنزال واشتباك سريعة، وقد نفذت الولايات المتحدة عمليات مشابهة ضد تنظيم داعش، وهو ما يتيح خبرات سابقة لهذا النوع من العمليات، ويتيح استهداف نقاط في العمق الجغرافي لمناطق التنظيم.
•    التوجه نحو خط جرابلس-إعزاز (شرق مناطق سيطرة الثوار في ريف حلب الشمالي)، حيث الشريط الحدودي مع تركيا، والمسيطر عليه من قبل تنظيم داعش، شرق مناطق سيطرة الجيش السوري الحر وغرب مناطق وحدات حماية الشعب الكردية التي تتحرك من خلال "قوات سوريا الديمقراطية"، والتي بدأت بعد التدخل الروسي بالانزياح غرب نهر الفرات حيث المنطقة الآمنة التي كانت القيادة التركية تخطط لإقامتها، وهو ما يهدد المصالح التركية بشكل مباشر ومتصاعد.
•    ويوفر خطاب الإرهاب المهيمن على السياسة الدولية حول سوريا، حجة مناسبة للتدخل السعودي التركي، باعتبار هذه المنطقة (ريف حلب الشرقي-غرب نهر الفرات) مسيطراً عليها من قبل تنظيم داعش، وحجة مناسبة للدولة التركية أمام ضغوط تيارات معارضة ضد توريط تركيا في المسألة السورية، باعتبار أن مواجهة تمدد القوات الكردية (وحدات حماية الشعب) المقربة من حزب العمال الكردستاني PKK، على الحدود التركية مسألة أمن قومي.
•    التوجه نحو البادية من الحدود الأردنية، ويوفر هذا الخيار السيطرة على مساحات واسعة بتكلفة عسكرية أقل، والاقتراب من جبهة العاصمة دمشق، ومن الحدود العراقية ومنابع النفط في دير الزور، وهو ما يمكن أن يشكل ورقة ضغط سياسية، إضافة للاقتراب من مناطق الثوار في الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي، مع وجود تجربة سابقة من خلال "جيش سوريا الجديد" الذي نفذ عمليات برية في هذه المنطقة بالتعاون مع التحالف الدولي.
•    ريف حلب الشمالي: وهو الخيار الأقلّ احتمالية، ولكن الوضع الجديد (التقدم الأخير للتحالف الإيراني، وخلو المنطقة من تنظيم القاعدة)، يوفر استثناء يسهل من دخول قوات دولية (عربية-تركية) إليه، أو يوفر استفادة أسهل فيما لو حصل تدخل بري في المنطقة الشرقية، وأقيمت قواعد عسكرية لحلفاء الثوار هناك.

سادساً: رهانات الاستثناء:
إنسان الثورة المستباح
اقتبس المفكر السياسي الإيطالي جورجيو أغامبين، عنوان رباعيته المهمة في الفلسفة السياسية (سلسلة من أربع كتب)، من المصطلح الروماني HOMO SACER، والذي تمت ترجمته عربياً بـ "الإنسان الحرام" أو الإنسان المستباح"، ويشير المصطلح في القانون الروماني للإنسان الذي ارتكب جناية الخيانة ما يرفع عنه الشخصية القانونية ويتركه مستباحاً لأي عقاب سواء من الدولة أم  الأفراد، ويرتبط المصطلح بـ "حالة الاستثناء" التي شغلت مساحة مهمة من الفكر السياسي المعاصر، منذ كارل شميت الذي أعلن أن سيادة الدولة تُختبر لا من قدرتها على تطبيق القانون وإنما على تعليقه بفرض حالة الاستثناء (الطوارئ)، الجدل الذي امتد إلى فالتر بنيامين وحنه أرندت وجورجيو أغامبين وسواهم.
أتاحت الثورة السورية، لنظام الأسد الذي لم يرفع "حالة الطوارئ"  طيلة أربعين عاماً، أن يختبر قدرات حالة الاستثناء حتى أقصاها، كما اختبرت ذلك الدول المحيطة من خلال مخيمات اللجوء، التي تشكل حسب أغامبين أوضح تمثيل لحالة الاستثناء، باعتبار اللاجئين مجردين من الشخصية القانونية (فيما قبل قوننة اللجوء كحق قانوني لا كإكرامية أخلاقية) التي يُفترض أنها كانت لهم في بلادهم، ثم من خلال التعامل الدولي مع الثوار السوريين والمناطق التي يسيطرون عليها، باعتبارها مناطق متمردين rebels))، وليست مناطق تخضع لطرف سياسي شرعي، وبالتالي تُرفع عنها وعنهم الشخصية القانونية، وتصبح مستباحة للتدخل الدولي (الإيراني من خلال الميليشيات الشيعية متعددة الجنسيات ثم التدخل الروسي).
ورغم تعرّض النظام لهزات دبلوماسية منذ العام الأول للثورة، إلا أنه حافظ على تمثيله في المجتمع الدولي كنظام شرعي، ولكنه اضطر مع تعرضه لانتكاسات عسكرية متكررة تهدد بزواله منذ تحرير إدلب (شباط 2015م)، وخوفاً من أن يتعرض لتدخل عسكري دولي (عربي-تركي) إلى أن يستعين بشرعية دولية تمثلت بالقواعد العسكرية الروسية، كما استعانت وحدات حماية الشعب الكردية الصاعدة بشرعية دولية تمثلت بالخبراء الأمريكيين خوفاً من القصف التركي ضدها، وهو الذي تطور مؤخراً إلى تسريبات عن مشروع تحويل قاعدة الرميلان الجوية إلى قاعدة عسكرية أمريكية.
وضمن الفضاء الجيوسياسي السوري، يبقى ثمة نطاقان مستباحان لحالة الاستثناء ودون شخصية قانونية حامية من "القصف الدولي" الشرعي والذي لا يهدد بقيام حرب عالمية، تتمثلان بالمناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش، والمناطق التي يسيطر عليها الثوار السوريون.

استثناء ريف حلب الشمالي
رغم أنه لم توجد من قبل نوايا جدية من حلفاء الثورة السورية مكافئة لجدية حلفاء نظام الأسد في التدخل العسكري في سوريا، فقد كان وجود تنظيم القاعدة المتمثل بجبهة النصرة، أحد الأسباب –المعلنة-لتكريس وضع مناطق الثوار باعتبارها مناطق تواجد الإرهابيين (حسب التصنيف الدولي)، وهو ما كان الحجة الأكثر تكراراً (وتزييفاً) لتبرير عمليات القصف الجوي والأرضي التي قام بها نظام الأسد والطيران الروسي ضد المدنيين غالباً، والتي تسببت بكوارث إنسانية، وارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية موثقة حقوقياً.
ويمثل وضع ريف حلب الشمالي الأخير (شمال خط الوصل) كمنطقة لا وجود فيها لتنظيم القاعدة "جبهة النصرة"، استثناءً جديداً ضمن الخارطة السورية في الشمال (إضافة إلى مدينة داريا بريف دمشق وأحياء يلدا وببيلا وبيت سحم في جنوب دمشق)، ويتيح هذا الاستثناء الأخير (نستخدم الاستثناء هنا بمعنى مغاير لحالة الاستثناء آنفة الذكر) فرصة لاختبار مدى تأثير غياب جبهة النصرة بالنسبة لسياسات وتعامل أطراف محلية أو إقليمية أو دولية مع الثورة السورية.
ويتيح هذا أمام الثوار السوريين، عدة خيارات ومستويات للعمل، لاستغلال وضع ريف حلب الشمالي كمنطقة خالية من الجماعات المصنفة على لوائح الإرهاب:
•    على المستوى الإعلامي: فقد دفعت حوادث عدة لاختطاف صحفيين من قبل تنظيم داعش ومن قبل جبهة النصرة وحتى من قبل فصائل ثورية، لغياب الإعلام الدولي عن التغطية المباشرة لمناطق الثوار السوريين، بسبب عدم الأمان الحاصل، ويمكن أن توجه فصائل الريف الشمالي دعوة للإعلام الغربي بالدخول المحمي لمناطق سيطرتها لتغطية المعاناة الإنسانية جراء قصف التحالف الإيراني الروسي، وإزالة الصورة الضبابية عن الثوار السوريين وفصائلهم غربياً، حيث تطغى صورة الإرهاب التي يروجها النظام والتحالف الإيراني الروسي والخطابات السياسية السائدة بعامة.
•    على المستوى الحقوقي: فإن من المهم دعوة مراقبين حقوقيين مستقلين أو أمميين للدخول المحمي إلى الريف الشمالي لمراقبة الانتهاكات الإنسانية للتحالف الإيراني الروسي، واختبار دقة ادعاء استهداف الإرهاب.
•    على مستوى الفصائل الثورية: فإن استنزاف فصائل الثوار في ريف حلب الشمالي، يضاعف الحاجة للعنصر البشري، وإن كان التقدم الأخير اعتمد على التفوق الناري، ويضاعف الوضعُ الأخير الحاجة إلى دعوة المقاتلين السابقين الذين أقاموا في تركيا، إلى العودة والمشاركة في المعارك الأخيرة.، خاصة من الفصائل التي هاجمتها جبهة النصرة وجند الأقصى سابقاً (تموز 2014-آذار 2015م) ولاحقت عناصرها لاحقاً ما اضطر قسماً منهم للخروج إلى تركيا (بداية تشرين أول م2015 طالبت جبهةُ النصرة حركةَ أحرار الشام بتسليم عناصر حركة حزم وجبهة ثوار سوريا الذين انضموا لأحرار الشام للجبهة، بعد مشكلة حصلت بين الجبهة والأحرار في بلدة الدنا بريف إدلب).
•    على مستوى التدخل البري المحتمل (إن حصل): فإن خلوّ منطقة ريف حلب الشمالي من تنظيم القاعدة، يختصر جدلاً كان حاضراً سابقاً لدى الحديث عن تدخل عربي، وهو كونه سيضطر لمحاربة تنظيم القاعدة، وسيضع الفصائل الثورية في إشكال صعب مع حلفاء ميدانيين، وفي معركة ايديولوجية جديدة مع عناصرهم، وحتى لو لم تدخل قوات برية إلى ريف حلب الشمالي، فإن وجود قواعد عسكرية "صديقة" في الداخل السوري على الشريط الحدودي التركي، يتيح بالضرورة منطقة آمنة للنازحين من مناطق الاشتباك بين الثوار السوريين والتحالف الإيراني، إضافة التنسيق بشكل مباشر مع مصادر الدعم وهذا تابع للدول المشاركة في العملية البرية (إن حصلت)، والتي ستتم تحت مظلة التحالف الدولي، ما قد يمنع قتالها إلى جانب الثوار السوريين، أو قتالها ضد وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من قبل التحالف نفسه.ولكن تبقى الأسئلة المفتوحة أو الرهانات المنتظرة من العملية البرية (إن حصلتْ) بالنسبة لفصائل الجيش الحر في ريف حلب الشمالي حول مدى التنسيق مع العملية البرية واستلام إدارة المناطق التي يتم طرد تنظيم داعش منها واستفادة هذه الفصائل من قواعد الحلفاء.
سابعاً: خاتمة:
تمر الثورة السورية على بوابة عامها السادس، بمرحلة أخرى من تحولاتها، مع تغيرات خطيرة في خرائط السيطرة والتحالفات، ورغم حجم الخسارة البشرية والميدانية الواضح بالنسبة لفصائل الثورة السورية منذ التدخل الروسي، سواء في ريف حلب الجنوبي ثم ريف حلب الشمالي أم في الساحل أم في الغوطة الشرقية وداريا أم في درعا، فإن تنبؤ بعضهم بأن الثورة السورية تواجه تحدياً وجودياً أخيراً، أو أن نظام الأسد والتحالف الإيراني الروسي على وشك "القضاء" على الثورة السورية، هي تنبؤات رغبوية أو بروباغندا دعائية.
حيث تتجاهل هذه البروباغندا قدرات المقاومة النوعية للفصائل الثورية والتي ظهرت في تفوقها الحاسم في الاشتباكات المباشرة، في مقابل التفوق الناري الكبير لأسلحة النظام والتحالف الإيراني الروسي، وأن هذه الفصائل ما زالت تسيطر على مناطق ممتدة وتحظى بشرعية محلية شبه وحيدة في مناطقها خاصة كونها تمثل الخيار الوطني شبه الوحيد بين أطراف الحرب في سوريا، مع تحول قوات نظام الأسد إلى شريك شبه إعلامي للتحالف الإيراني الروسي الذي يقود العمليات على الأرض.
هذا إضافة لامتداد الثورة السورية الشعبي الكبير داخل وخارج سوريا، والسجل الهائل من المجازر التي ارتكبها نظام الأسد والتحالف الإيراني الروسي الداعم له، والذي يجعل من إعادة التطبيع الشعبي مع النظام في سوريا مهمة شبه مستحيلة، وتبقي –بالنسبة لمنظور الأولويات الدولية-ملفات الهجرة والعنف قائمة وتكرس فوضى المنطقة.

ورغم التقدم العسكري الأخير الذي حققه التحالف الإيراني الروسي، فإنه لم يكن ليتحقق لولا الدعم السياسي الدولي الذي حظي به التدخل الروسي والإيراني في سوريا، في مقابل ضعف الحلف الداعم لفصائل الثورة السورية في فرض شروطه سياسياً أو دعم حلفائه عسكرياً، إضافة إلى توفير غطاء آمن لحشد الميليشيات الشيعية واستقدامها إلى سوريا ما وفر فائضاً في العنصر البشري الأجنبي مع اضمحلال حضور جيش النظام السوري في المعارك.
ويظهر الأثر الخطير لهذا الدعم الدولي الضمني للتحالف الإيراني الروسي، على خريطة المنطقة التي تتمدد فيها الميليشيات الطائفية المدعومة إيرانياً على أرض مظلومية سنية تنتج ردود فعلها المتفاوتة في راديكاليّتها وعنفها مع الوقت، إضافة إلى اضمحلال النفوذ العربي-التركي في سوريا والعراق لصالح نفوذ إيراني-روسي، مع دعم أمريكي لتمدد قوات وحدات حماية الشعب (الكردية) في مناطق عربية تمارس انتهاكات موثقة بحق مكوناتها، وهو ما يكرّس ديمومة الصراع الهوياتي في المشرق العربي.
يواجه الثوار السوريون معاركهم الصعبة منفردين وبإمكانات محدودة وشبه حصار سياسي وعسكري عليهم، في مقابل جيوش مجهزة لعدة دول وميليشيات معولمة، وهو ما يضاعف من خطورة وإلحاح مهمة الحلف الإقليمي الداعم للثورة السورية في تقديم الغطاء السياسي والدعم النوعي للفصائل الثورية، والكفيل بمواجهة التفوق الناري للتحالف الإيراني الروسي، أما الاستمرار في سياسات الدعم المقنن الراهنة فهو يكرّس تمدد التحالف الإيراني الروسي، ويعطيه أحقية تشكيل خريطة المنطقة ومستقبل شعوبها ودولها.

ثامناً: الملاحق:

 

 

 

 

 

 

 

مركز عمران للدراسات الاستراتيجية 

المصادر: