الشهيد علاء توفيق طالب

الكاتب :
التاريخ : ٢٧ ٢٠١٢ م

المشاهدات : 3853


الشهيد علاء توفيق طالب

علاء (أبو توفيق) بلغ ذاك العلو الروحي الذي ننشده جميعنا، علا بروحه الطاهرة عن أرذال البشر عن تفاهات الدنيا أخلص نيته للباري فكان له الوعد الرباني بالانتظار.
صغير في العمر كبير في الأفعال 23 ربيعاً لم تمنعه من أن يثبت للعالم بأكمله بأن من أحب الله من قلبه وبادر لكل عمل يحبه الله فإن الله يصطفيه من بين المئات ممن هم أكبر منه سنا ليكرمه بالشهادة وليست أي شهادة شهادة في سبيل الله بإذن تعالى.
أحب الأيتام فكان عضوا في جمعية (صديق اليتيم) أحبهم أكثر مما أحبوه وكان ينتظر بكل شوق الوقت الذي سيقضيه معهم.

 


شاب وسيم باسم مرح مفعم بالنشاط والحيوية، اجتماعي بطبعه واسع العلاقات، كثير الحركة ماهر بتكوين الصداقات، جريء مؤدب متعدد النشاطات.
نشأ علاءُ الدين في أسرة ملتزمة في مدينة دوما من والدين مثقفين وتربَّى في بيئة إسلامية غرست فيه معاني التدين والبذل والكرم، وجمَّلته بالأدبِ والطيبة والشجاعة.
حصل على شهادة الثانوية العامة وبادر التسجيل في قسم الهندسة.
ولمّا اندلعت ثورة الكرامة في سوريا لم يكن علاءُ الدين ليقف متفرِّجاً على معاناة شعبه وآلامِ إخوانِه بل بادر بالمشاركة في المظاهرات السلميّةِ منذ البداية وكانت له مشاركات يومية في المظاهرات الطيَّارة في ظروفٍ أمنيةٍ غاية في الصعوبةِ خاصةً خلال شهريّ حزيران وتموز من عام 2011 حيث كان القناعُ القماشي وعلمُ الثورة معه حيثما كان، ليكون جاهزاً للمشاركة.

لم يكتف بالمظاهرات في نشاطهِ الثوري بل مارسَ نشاطاً إعلامياً في تغطية فعاليات الثورة السورية لاسيما خلال الأشهرِ الأخيرةِ من عام 2011، وعمل بالمجال الإغاثي فكان يذهب إلى دمشق وريفها ثلاث مرات كل يوم لتوزيع المعونات الغذائية مما زاد في علاقاته وأيضا لم يتخاذل عن العمل في المجال الطبي فـالتحق بدورة إسعاف طبي ليكون بين المسعفين مما جعل له أصدقاء كثر في الهلال الأحمر...
و عندما بدأت الثورةُ السوريةُ بالانتقالِ إلى خيارِ السلاح لإسقاط النظام كان علاءُ الدين من أوائل المشاركين في تأسيسِ العملِ العسكري الثوري في منطقةِ ريف دمشق حيث انتسبَ إلى إحدى السرايا في الغوطةِ الشرقية في 15/1/2012 وقال يومها: (اليوم بدأت الثورة الحقيقية)
وانضمامه للعمل العسكري لم يكن ليمنعه من التوقف عن عمله الإغاثي بل كان يجتهد في العملين بكل جد لدرجة أن أوقاته امتلأت عن آخرها وكان لا يتمكَّنُ من رؤيةِ أهلهِ إلا نادراً لكثرة انشغاله.
ومرة من المرات تعرَّضت السريّة التي يعمل معها إلى عدةِ مداهماتٍ وكمائنَ قدَّرَ الله سبحانه خلالها نجاةَ علاء الدين في حين استشهد واعتقل غالبيةُ عناصرِ السريِّة.
أصبح علاءُ الدين مطلوباً للنظام الأسدي في أواخر شهر شباط بعدما عثر على اسمه في هاتف أحد إخوانه الشهداء خلال إحدى كمائنِ النظام للمجاهدين، بعدها لم تكد تخلو قوائم المطلوبين المسرَّبة من عدةِ فروع أمنية من اسم البطل.
بعدَ عدة أشهر صادر أحد حواجز النظام سيارة علاء واعتقل من كان فيها من أصدقائه، لكنهم لم يظفروا به، إلا أن ذلك لم يؤثِّر في عزيمة علاء ولا في نشاطه حيث استمرَّ في جهادِه وتنقلِه الكثيف بين المدن والبلدات متحاشياً الحواجزَ الأسدية ومغامراً رغم المخاطر.
تقدم له بعض الأخوة بعروض السفر تجنباً للاعتقال ولكنه رفض أن يترك الثورةَ والجهاد
وكان كثيراً ما يذكر الشهادة في سبيل الله ويتشوَّق لها خاصةً وهو يرى العشراتِ من إخوانِه ورفقاء جهاده يرتقون الواحد تلو الواحد حتى كتب على صفحته الالكترونية قبل أيام من استشهاده (هذا الإنسان ومثلهُ أناسٌ بشهادتهم يجعلونني أتشوقُ لقربِ استشهادي ... لألقاهم)
وقبل استشهاده بساعات حدث أخته قائلا لها: (ستسمعين خبرا يفرحك) وفي عصر يوم الخميس الموافق 4/ 10 / 2012 جاء الخبر المفرح وتزينت حور الجنان لاستقباله حيث كانَ البطل على موعد مع الشهادة وفي إحدى مزارع الغوطة الغراء استهدفته طائرة ميغ أثناء تحضيره لعملية كان ينوي قيادتها بنفسه فتحوّل جسدُ علاء وإخوانه إلى أشلاء مبعثرة اختلطت بتراب أرضِ الرباطِ فلم يتمكن أحدٌ من التمييز بينهما.
لم يكن لعلاءِ الدينِ صورةٌ بعد استشهاده بخلافِ غالبيةِ شهداءِ الثورة ولم يسمع عن شهيد تبخر جثمانه بالكامل سوى علاء الدين وأقرانه.
كم تشبه قصته قصة الصحابي الشهيد عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح -رضي الله- عنه فلقد حوصر أبو توفيق لمرات وطورد لشهور وكان لا يكتفي بمهمة واحدة وهذا مما زاد من تعرضه للاعتقال ..
وفي كثير من الأحيان حاول أصدقائه إقناعه في أن لا يواجه الأمن إن تعرض لكمين ما حرصاً على سلامته فالاعتقال أخف من القتل والتصفية فكان يجيبهم دائماً:
"والله لن أسلمهم نفسي وأذهب رخيصاً فالموت أهون علي من أن يلمسوا جسدي أو أدخل سجونهم"
لقد قالها الصحابي عاصم بن ثابت -رضي الله عنه- سابقاً بعد أن رفض أن ينزل في جوار مشرك يوم حوصر في حادثة ماء الرجيع ثم قال: "اللهم إني حميت دينك أول النهار فاحم لي لحمي آخره"
فلما استشهد أرسل الله الدَّبر (النحل) لتمنع المشركين من الوصول إلى جثمانه ثم أرسل سيلاً حمل الشهيد ودفنه .. فاستجاب الله دعائه ولم يُعلم أين دفن جثمانه !!
واليوم يتمزق جثمان البطل أبو توفيق ويبحث عنه إخوانه دون جدوى .. فلقد حقق الله تعالى له ما تمنى فلم يمس جسده كافر ولم ينل منه سجان ، ولم يُرى له جثمان ولم يكن هناك تشييعٌ ولا حتى بيتُ عزاء لأن أهل دوما يومَها كانوا يهيمون في الأرض مطاردين

رحمك الله يا علاءَ الدين كم تركت فينا من قروح وأوجاع

وكان آخر ما نشره على حسابه في الفيس بوك :

"هاي بينايتنا.........وهي الحرية يلي بدنا ياها"

وقد كتب عنه أحد أصدقائه :
كنت أدخل المسجد لاهثا أحث الخطى أبحث عن إخواني الذي أعمل معهم, وكنت أشاهد ذلك الشاب الحاذق صاحب العينين الجميلتين والثغر الباسم ممسكا دفتره منهمكا بعمله يتحلق حوله الشباب الصغار بالسن وأقرانه في العمر.
كان دائم الابتسام مما دفعني فضولي للتعرف عليه فسألت من يكون ذلك الشاب فجاوبوني إنه أبو توفيق طالب, فنويت مقاطعة جلسته مع أصدقائه لأتعرف به عرفته بنفسي,,, لكن ما حدث يومها أن المسجد الكبير تعرض للقصف بعدة قذائف هاون وهرعنا مسرعين إلى أركان المسجد الوثيقة خوفا من الشظايا, فمازحني -رحمه الله- وقال لي (انسحاب تكتيكي يا شباب) فضحك كل من في المسجد.
رحمه الله قلب الرعب نكتة وعندها خرجنا من المسجد متفرقين بعد هدوء القصف وحينها صممت على التعاون بيني وبينه -رحمه الله- لكن كان قدر الله أسرع استشهد -رحمه الله- تاركا إرثا ثقيلا علينا ولكننا نعاهدك يا أخي إما أن نكمل ما بدأت أو نذوق ما ذقت من شهادة صافية خالصة لوجه الله الكريم
وقد قام صديق له بعملية انتقم فيها لدم الشهيد
استشهد علاء مع رفقائه رفقاء الدرب حسام اينال (أبو قيس) ، و محمد حمو (أبو يعقوب) ودفن معهم في قبر واحد ليكونوا أصدقاء الحياة والشهادة
رحمهم الله جميعا

 

 

قصص شهداء الثورة السورية

المصادر: