أضواء على شهادة الدكتور جاك من قلب الحدث السوري

الكاتب : عبد العظيم عرنوس
التاريخ : ٢٩ ٢٠١٢ م

المشاهدات : 10080


أضواء على شهادة الدكتور جاك من قلب الحدث السوري

تصريحات الدكتور جاك بيريز وهو أحد مؤسسيي منظمة أطباء بلا حدود، والذي كان في حمص وخرج منها قبل أيام، قال للجزيرة حرفياً:
- "كل شعوب العالم تستحق الحرية، ولكن الشعب السوري أكثرها استحقاقاً؛ لأني لم أر في حياتي شعباً بمثل شجاعته".
- "الأطباء الميدانيون السوريون الشباب يقومون بعمل جبار لا تستطيع المستشفيات الفرنسية أن نقوم بمثله وبمثل سرعته"...
- "هذا العمل الجبار يتم بمعدات وأدوات وإمدادات شحيحة وأحياناً بدائية".
- "بكيت كثيراً عندما كنت أشاهد الآباء والأمهات يموت أبناؤهم الجرحى أمامهم ولا نقدر إسعافهم لحاجتهم إلى وسائل غير متوفرة".
- "ما يقوم به النظام السوري هو أعمال وحشية لا يمكن تصورها".
- "كان شرفاً عظيماً لي لن أنساه أن أعمل داخل سورية ومع أولئك الأطباء الشباب الذين هم غاية في التفاني والبذل والتضحية".


وبداية أحب أن أقول: أين منظمات أطباء العرب والمسلمين، وأين الإعلاميون والصحفيون العرب الذين هم أولى أن يكونوا مع إخوانهم في الدين والعقيدة، أليسوا هم أجدر من غيرهم أن يقوموا بهذا العمل الإنساني؟! أم أن المفاهيم قد تبدلت حتى صار الصوت الغربي أعلى وأفصح من الصوت العربي.
ولا بدّ لنا أن نقف وقفات أمام هذه التصريحات الهامة حتى لا تذهب أدراج الرياح:
نعم الشعب السوري أكثر الشعوب استحقاقاً للحرية؛ لأنه أثبت وبالصورة الحية والواقع المشاهَد أنه أهل لها.. شباب ونساء وأطفال وشيوخ خرجوا بصدور عارية يجابهون أعتى نظام قمعي ووحشي في العالم، ينادون بالحرية واستعادة الكرامة المسلوبة تحت وقع أزيز الرصاص وهدير الدبابات وقصف القنابل في بطولات نادرة سوف يتحدث عنها التاريخ.. بطولات أدهشت العالم، وفرضت عليهم احترامه.. بطولات جعلت الثورة السورية محط أنظار المجتمع الدولي.. أجل لقد رأينا في هذا الشعب نماذج كالصحابة -رضوان الله عليهم-.. رأينا هذا الفتى الذي يضرب ضرباً شديداً ليسجد لصورة بشار فيأبى عليهم.. إنه في عزته وكبريائه أمام الباطل كبلال بن رباح –رضي الله عنه- حينما كان يغيظ قوى الشرك بقوله: أحد أحد.. ورأينا عبد الباسط الساروت في تجرده عن الدنيا وهو الذي كان من أبطال نادي الكرامة بحمص فإذا به كمصعب بن عمير –رضي الله عنه- يتخلى عن هذا المتاع الزائف، ويغيظ الشبيحة بأهازيجه التي يوقعها عليهم وقع الصواعق.. ورأينا هذا الجم الغفير من المتظاهرين تدمر بيوتهم وممتلكاتهم ويحرمون من كل مقومات الحياة وعلى حد تعبير القرآن الكريم: أخرجوا من ديارهم وأموالهم.. فلا يأبهون ولا يبالون.. وشاهدنا أولئك الشباب وهم ينقلون الواقع المأساوي بالصورة والصوت للقنوات الفضائية الإعلامية والإنترنت فإذا بهم يضاهون حملة الشهادات في الإعلام والصحافة.. وغيرهم كثير كثير إن كنا لا نعرفهم فإن الله يعرفهم.
أجل هذا الشعب الصامد الصابر الذي هو بهذه الصفة أجدر شعب بنيل حريته بل انتزاعها ممن اغتصبها منه انتزاعاً، وهل يمكن أن يقهر شعب يعتز بالله ويتوكل عليه ويبرأ من حوله وقوته إلى حول الله وقوته.
 ثم ما هذه الهمة العالية التي يتمتع بها هؤلاء الأطباء، وما هذه الروح المتفانية،  وما هذا التنافس في محاولة إنقاذ وتطبيب الجرحى والمصابين جراء القصف الهمجي، حقاً إنه العجب العاجب الذي يصنعه الإسلام في نفوس معتنقيه، مما جعل هذا الطبيب من هذه المنظمة يشهد بأن الأطباء في هذه المشافي الميدانية يقومون بعمل جبار تعجز المستشفيات الفرنسية أن تقوم بمثله وبسرعته.. الله أكبر!! أطباء لا يملكون من أدوات الطب والأدوية إلا النزر اليسير في مستشفيات ميدانية وهم تحت القصف والحصار يقدمون خدمات تعجز عنها مستشفيات فرنسا، والله لو سمعنا هذه الشهادة من غير هذا الشخص لما كنا نصدق ذلك.. ما هذا التفاني في خدمة أولئك الجرحى وما هذا الشعور بالمسؤولية؟!.. إنه الإسلام الذي يصنع المعجزات، إنها العقيدة التي تجعل المستحيل ممكناً.. ولعل هذا يذكرنا بحفر الخندق عندما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام يعملون جميعاً بروح الفريق بطريقة تنافسية كلٌ منهم يريد أن ينجز أكثر من أخيه رغم الجوع والبرد وقلة الإمكانيات فتم حفر الخندق في فترة وجيزة قبل وصول الأحزاب.. روى البخاري في صحيحه عن أنس - رضي الله عنه - قال: "خرج رسول الله -صلى عليه وسلم- إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال:

((اللهم إن العيش عيش الآخرة *** فاغفر للأنصار والمهاجرة)) 
 

فقالوا مجيبين له:

"نحن الذين بايعوا محمدا *** على الجهاد ما بقينا أبدا"

ثم نسمع هذا الطبيب وهو من قوم غير قومنا، وملة غير ملتنا، يقول:... "بكيت كثيرا عندما كنت أشاهد الآباء والأمهات يموت أبناؤهم الجرحى أمامهم ولا نقدر إسعافهم لحاجتهم إلى وسائل غير متوفرة" فنجد إنسانية نبيلة، ونفساً رهيفة، تسيل دموعه لعجزه عن إسعاف الجرحى الذين يموتون على مرأى آبائهم وأمهاتهم. في الوقت الذي نرى فيه أغلب الدول العربية تعطي النظام المهلة بعد المهلة ليمعن النظام في القتل وكسر شوكة الثوار.. أين إحساس العرب والمسلمين لمصاب إخوانهم في سوريا.. أليسوا أجدر بالتأثر والبكاء والنجدة والعون والبذل من غيرهم.. أليست هذه تعاليم ديننا الحنيف، روى مسلم النعمان بن بشير –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((المسلمون كرجل واحد إن اشتكى عينه اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله..))، صحيح أن في الأمة من قام بما يمليه عليه الواجب؛ لكن ما زال كثير منهم تحت المستوى المطلوب.
ويا للمفارقة العجيبة عندما نرى هذه العصابة البربرية لا يرف لها جفن وهي تقترف ما تقترف من مجازر يشيب لهولها الولدان، وتترفع الوحوش عن فعلها، ويلتذون وهم على ما يفعلون شهود، ونرى هذا الرجل الشهم يبكي كثيراً وهو يرى من يلقى حتفه متأثراً بجراحاته وآلامه.
إن شعب سوريا بحاجة بعد عون الله إلى جهود كل الأمة الإسلامية من عرب ومن عجم للوقوف معه لرد هجمة هذا الطاغوت المتجبر ليشعر بأنه ليس وحيداً في الميدان، وبأن وراءه أمة تؤازره وتناصره، فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره..
يقول الشاعر عمر بها الدين الأميري - رحمه الله -:

فهلا ابتدرنا إلى نجدة *** وهلا استجبنا لداعي الجهاد
  فإما حياة الهدى والإباء *** وإما الشهادة يوم الجِلاد

هذه الشهادة من الدكتور جاك بيريز نعتز بها، لأنها شهادة طبيب عايش الواقع، ورأى بأم عينيه همجية هذه العصابة المتحكمة، فهي شهادة عين يقين على حيوية الثورة السورية وعطائها وتفانيها وإصرارها على تحصيل مطالبها العادلة التي كفلتها كل الأديان والأعراف والقوانين الإنسانية والدولية. وإنا لنشكر له وجوده مع الثوار، وثناءه عليهم حتى اعتبر ذلك شرفاً عظيماً له كما قال: "كان شرفاً عظيماً لي لن أنساه أن أعمل داخل سورية ومع أولئك الأطباء الشباب الذين هم غاية في التفاني والبذل والتضحية".
إن شعباً بهذه الروح القوية التي يستمدها من روح الله قد اتخذ قراره الحاسم بأن لا تراجع قيد أنملة حتى يحقق مبتغاه، وحدد مساره بوضوح عندما وضع قدمه على الطريق.. طريق النصر واقتلاع هذا السرطان الخبيث مهما قدم في سبيل ذلك من تضحيات وشهداء.

المصدر: رابطة العلماء السوريين

المصادر: