..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

هل يجوز ذبح الكفار والمحاربين بالسكين ؟.

هيئة الشام الإسلامية

٢٠ ٢٠١٤ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6580

هل يجوز ذبح الكفار والمحاربين بالسكين ؟.
هيئة الشام الإسلامية 000.jpeg

شـــــارك المادة

السؤال: ما حكم ذبح أسرى الأعداء بالسكين؟ وهل هو فعلاً سنة نبوية يمكن اتباعها؟
الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد أرسل الله سبحانه وتعالى رسولَه بالهدى والعدل والرحمة، فكان مما شرعه الإحسان في استيفاء العقوبات والحدود والقصاص، بأن تكون بأيسر طريقة وأسرعها، ومنعَ من كل ما فيه تعذيب وتمثيل، كتقطيع الأعضاء والذبح بالسكين، فإنها من الطرق الشنيعة والمنكرة في القتل، وبيان ذلك فيما يلي:

 


أولاً: جاء الإسلام بتشريعات واضحة توجب التعامل مع الأسرى بالعدل والإحسان وبما يتناسب مع إنسانيتهم واحترام آدميتهم، من تقديم المأوى والطعام المناسب، والرفق بهم وعدم تعذيبهم وإيذائهم، قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8].
وعَنْ أَبِي عَزِيزِ بْنِ عُمَيْرِ (أخو مصعب بن عمير) قَالَ: كُنْتُ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (اسْتَوْصُوا بِالْأُسَارَى خَيْرًا), فَكَانُوا إِذَا قَدَّمُوا غَدَاءَهُمْ أَوْ عَشَاءَهُمْ أَكَلُوا التَّمْرَ، وَأَطْعَمُونِي الْخُبْزَ، بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ). رواه الطبراني في المعجم، وحسن إسناده الهيثمي والسيوطي.
وقال قتادة كما في تفسير الطبري: "قَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالْأُسَرَاءِ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَإِنَّ أَسْرَاهُمْ يَوْمَئِذٍ لَأَهْلُ الشِّرْكِ ، وَأَخُوكَ الْمُسْلِمُ أَحَقُّ أَنْ تُطْعِمَهُ".
وقال السرخسي في "شرح السير الكبير": "وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ قَتْلَ الْأسَارَى فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ بِالْعَطَشِ وَالْجُوعِ، وَلَكِنَّهُ يَقْتُلُهُمْ قَتْلًا كَرِيمًا".
وقد سبق في فتوانا (حكم من وقع أسيرًا في أيدينا من جنود النظام السوري) كيفية التعامل والتحقيق مع الأسرى، وأنه لا يجوز قتله دون محاكمة، إلا إذا دعت الضرورة الحربية إلى ذلك.
ثانيًا: الأصل فيمن استحق القتلَ من الأسرى بعد القدرة عليه أن يُقتل بأيسر طريقةٍ ممكنةٍ، وأقلِّها إيلامًا وتعذيبًا.
فعن شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه، قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ) رواه مسلم.
فقد دل قوله صلى الله عليه وسلم (فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ): على وجوب اختيار أحسن طريقة للقتل، وذكر الإمام النووي أن الحديث: "عَامٌّ فِي كُلِّ قَتِيلٍ مِنَ الذَّبَائِحِ، وَالْقَتْلُ قِصَاصًا، أو حَدّاً".
والطريقةُ الأيسر والأسهل للقتل هي: ضرب مؤخر العنق بالسيف ضربةً واحدةً يكون بها زهوق الروح، وقد جرى العمل على ذلك في مختلف العصور والأزمان.
قال ابن القيم في كتاب " الصلاة": "وضرْبُ العنق بالسيف أحسن القِتلات وأسرعها إزهاقًا للنفس، وقد سنَّ الله سبحانه في قتل الكفار المرتدين ضربَ الأعناق دون النخسِ بالسيف".
وإذا كان غير السيف أيسر وأسهل وأسرع في إزهاق الروح، فلا حرج من العمل به كالقتل رمياً بالرصاص.
قال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم": "وَالْإِحْسَانُ فِي قَتْلِ مَا يَجُوزُ قَتْلُهُ مِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ إِزْهَاقُ نَفْسِهِ عَلَى أَسْرَعِ الْوُجُوهِ وَأَسْهَلِهَا وَأَوْحَاهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي التَّعْذِيبِ، فَإِنَّهُ إِيلَامٌ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ.
وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ... وَالْمَعْنَى: أَحْسِنُوا هَيْئَةَ الذَّبْحِ، وَهَيْئَةَ الْقَتْلِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْإِسْرَاعِ فِي إِزْهَاقِ النُّفُوسِ الَّتِي يُبَاحُ إِزْهَاقُهَا عَلَى أَسْهَلِ الْوُجُوهِ...
وَأَسْهَلُ وُجُوهِ قَتْلِ الْآدَمِيِّ: ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى الْعُنُقِ".
وقال ابن تيمية في "الفتاوى": "وَالْقَتْلُ الْمَشْرُوعُ: هُوَ ضَرْبُ الرَّقَبَةِ بِالسَّيْفِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَرْوَحُ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ".
ويستوي فيما سبق الأسير الكافر والمرتد، كما ذكر الإمام النووي أن إقامة الحد وقتل المرتد يكون: "بالسيف ضربًا للرقبة".
قال الرملي في "نهاية المحتاج": "ولا يجوز قتله بغير ذلك؛ لخبر: (إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ)".
ثالثًا: ذبح الأسير المستحق للقتل بالسكين كما تُذبح الشاة طريقة محرمة وممنوعة شرعًا؛ وذلك لعدد من الأمور، وهي:
1- منافاته للإحسان المأمور به شرعًا في القتل، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ).
قال القاضي عياض في "إكمال المعلم": "(إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ) عامٌّ في كل شيء من التذكية والقصاص وإقامة الحدود وغيرها، من أنه لا يُعذِّب خلقَ الله، وليُجْهِز في ذلك".
وقال الجصاص في" أحكام القرآن": "فَأَوْجَبَ عُمُومُ لَفْظِهِ أَنَّ مَنْ لَهُ قَتْلُ غَيْرِهِ: أَنْ يَقْتُلَهُ بِأَحْسَنِ وُجُوهِ الْقَتْلِ وَأَوْحَاهَا وَأَيْسَرِهَا، وَذَلِكَ يَنْفِي تَعْذِيبَهُ وَالْمُثْلَةَ بِهِ".
2- أنَّ في هذا تعذيبًا وإيلامًا شديدًا للأسير، وقد نُهينا عن تعذيب الأسرى إذا لم يكن منه فائدة.
وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَعَفًّ  النَّاسِ قِتْلَةً: أَهْلَ الْإِيمَانِ) رواه أبو داود، وصححه ابن حبان، وحسنه السيوطي.
أي: أنَّ أهل الإيمان والتقوى هم أكثرُ الناس رحمةً وإحسانًا في طريقة القتل.
قال المناوي في "فيض القدير": "هم أرحم الناس بخلق الله، وأشدُّهم تحرِّيًا عن التمثيل والتشويه بالمقتول، وإطالة تعذيبه؛ إجلالاً لخالقهم، وامتثالاً لما صَدَرَ عن صَدْرِ النبوة من قوله: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة)، بخلاف أهل الكفر وبعض أهل الفسوق ممن لم تذق قلوبهم حلاوة الإيمان، واكتفَوا من مُسمَّاه بلقلقة اللسان، وأُشرِبُوا القسوة، حتى أُبعدوا عن الرحمن، وأبعدُ القلوب من الله القلبُ القاسي، ومن لا يَرحم لا يُرحَم".
وجاء في "عون المعبود": "(أَعَفُّ النَّاسِ قِتْلَةً) بِكَسْرِ الْقَافِ: هَيْئَةُ الْقَتْلِ، أَيْ: أَكَفُّهُمْ وَأَرْحَمُهُمْ مَنْ لَا يَتَعَدَّى فِي هَيْئَةِ الْقَتْلِ الَّتِي لَا يَحِلُّ فِعْلُهَا مِنْ تَشْوِيهِ الْمَقْتُولِ وَإِطَالَةِ تَعْذِيبِهِ، (أَهْلُ الْإِيمَانِ) لِمَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ بِخِلَافِ أَهْلِ الْكُفْرِ".
3- أنَّ القتلَ ذبحًا طريقةٌ لم تُعهد عن المسلمين منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ومَنْ بعدهم من أهل العلم والقضاء، فنِسبة هذا الأمر إلى السنة منكر من القول، وادّعاء بلا علم.
وإنما عُرفت هذه الطريقة في القتل عن الخوارج الأوّلين، كما جاء في كتب التاريخ والسِّير أنهم (ذَبَحُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَبَّابٍ كَمَا تُذْبَحُ الشَّاةُ)، (ثُمَّ قَرَّبُوا أُمَّ وَلَدِهِ فَبَقَرُوها عَمَّا فِي بَطْنِهَا).
فهي سنّةٌ خارجيّة، لا سنّةٌ نبوية.
4- أنَّ الشرع فرَّق بين قتل الإنسان والحيوان، كما في الحديث: (فإذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ).
فجعلَ القَتل للإنسان، والذبحَ للحيوان، مما يدل على الطريقة المشروعة لإزهاق الروح في كليهما.
قال ابن تيمية في "جامع المسائل":  "ففي هذا الحديث أنَّ الإحسانَ واجبٌ على كل حال، حتى في حال إزهاق النفوس، ناطقِها وبهيمِتها، فَعَلَّمَهُ أن يُحْسِن القِتلةَ للآدميين، والذِبحة للبهائم".
رابعًا: من الخطأ والتلبيس: الاستدلال ببعض النصوص الشرعية الواردة في القتل على جواز الذبح، ومن ذلك:
1-  قوله تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ}.
فهذه الآية تتحدث عن قتل الكفار حال التحام الصفوف في الحرب، فيجوز حينئذٍ قتل الكافر المحارب بأي طريقة ممكنة لضرورة الحرب، وجاء التعبير بالضرب مناسبًا لطبيعة المعركة وما فيها من شدة وقسوة.
قال ابن كثير في تفسيره: " أَيْ: إِذَا وَاجَهْتُمُوهُمْ فَاحْصُدُوهُمْ حَصْدًا بِالسُّيُوفِ".
وقال القرطبي في تفسيره": "وَقَالَ: (فَضَرْبَ الرِّقابِ) وَلَمْ يَقُلْ فَاقْتُلُوهُمْ، لِأَنَّ فِي الْعِبَارَةِ بِضَرْبِ الرِّقَابِ مِنَ الْغِلْظَةِ وَالشِّدَّةِ مَا لَيْسَ فِي لَفْظِ الْقَتْلِ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَصْوِيرِ الْقَتْلِ بِأَشْنَعِ صُوَرِهِ، وَهُوَ جَزُّ الْعُنُقِ، وَإِطَارَةُ الْعُضْوِ الَّذِي هُوَ رَأْسُ الْبَدَنِ وَعُلُوُّهُ وَأَوْجَهُ أَعْضَائِهِ".
ثم إنّ "ضرب الرقاب" يختلف عن "الذبح بالسكين"، فالأُولى تكون بضربةٍ واحدةٍ بالسيف تزهق بها الروح مباشرةً، خلافًا للذبح الذي يكون بمعالجةٍ وتكرارِ إمرارٍ للسكين على الرقبة، مما يؤدي لتعذيب المقتول وزيادة إيلامه أثناء إزهاق الروح.
2- وأما قوله صلى الله عليه وسلم لنفرٍ من قريش بعد أن أكثروا من إيذائه وهو يطوف: (أَتَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ) رواه أحمد.
فلا يصحّ الاستدلال به على جواز ذبح الأسرى كالنعاج؛ لأن الذبح ها هنا كناية عن القتل، كما في قوله تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ}.
قال السمعاني: "معنى قَوْله: {يُذبِّحون أبناءكم} أَي: يقتلُون".
وقال الحَمِيدي في "تفسير غريب الصحيحين ": (وَقَوله: أَمرنِي أَن أحرق قُريْشًا): كِنَايَة عَن الْقَتْل، كَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَام: (جِئتُكُمْ بِالذبْحِ)".
وقال الزبيدي في "إتحاف السادة المتقين" : "لقد جئتكم بالذبح: أي بالقتل".
وكذلك ذكر عبد الغني المقدسي في " المصباح في عيون الصحاح" أنه هذه الكلمة " كناية عن القتل".
ويؤكد ذلك أن هؤلاء الأشخاص الذين توعدهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الوعيد، كأبي جهل وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وغيرهم ممّن ورد ذكرهم في الروايات: لم يَذبح أحدًا منهم بالسكين، بل كان مصيرهم القتل ضربًا بالسيف في غزوة بدر كسائر قتلى المشركين.
ثم إنَّ هذه الجملة (لقد جئتكم بالذبح) لم يقلها النبي صلى الله عليه وسلم لجميع الكفار، ولا لعموم قريش، بل لبعض من اشتدَّت أذيته منهم له وللمسلمين، فلا يجوز جعلها شعارًا عامًا مع جميع الناس والكفار في كل زمان ومكان!!
3- أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم  ولا أحدٍ من أصحابه ذبحُ أحدٍ من الكفار أو المحاربين، وما ورد من رواياتٍ تشير إلى قطع رؤوس بعض الكفار: فلا يصح منها شيء، ولو صحت فلا حجة فيها على الذبح حال الحياة، بل غاية ما تدل عليه قطع الرأس بعد الموت لإثبات القتل ، وسيأتي مزيد توضيح لهذا .
4-  كذلك ما أورده عددٌ من المؤرخين من أنّ خالداً القسري أميرَ العراق قال في خطبة الأضحى: "يا أيها الناس ضحوا تقبل اللَّه منكم ، فإني مضحٍّ بالجعد بْن درهم ( وكان من رؤوس الضلال)، ثم نزل فذبحه". فإنّ هذه الحادثة لا تُروى بسند صحيح.
ولو صحّت فالمراد من الذبح هنا: القتل بالسيف، كما هو معتاد في إقامة العقوبات، وإنما عبَّر عن القتل بالذبح والتضحية؛ لأن القتل كان في عيد الأضحى.
قال المعلمي في "التنكيل": "وإنما سماه تضحيةً؛ لأنه إراقةُ دمٍ يوم الأضحى تقربًا إلى الله تعالى، فشبّهه بالضحية المشروعة من هذا الوجه كما سمَّى بعضُ الصحابة وغيرُهم قتلَ عثمان رضي الله عنه تضحيةً لأنه وقع في أيام الضحى...
قال أيمن بن خريم:
ضحوا بعثمان في الشهر الحرام ضحىً ... وأي ذبحٍ حرامٍ ويلهم ذبحوا.
وهذا موجود في استعمال الناس حيث إنّهم يعبّرون عمّن يُقتل في العيد بقولهم " ضحّوا به".
فضلاً عن أنّ هذه الحادثة ليست من الأدلة الشرعية التي يستند عليها في تقرير الأحكام .
خامساً: أما مسألة "حزِّ الرأس وقطعه" بعد الموت، فهي من المثلة المنهي عنها شرعًا.
فعن عبد الله بن يزيد الأنصاري رضي الله عنه، قال: (نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُثْلَةِ) رواه البخاري.
وكان صلى الله عليه وسلم  يوصي أمراءه بقوله : (لَا تَغُلُّوا ، وَلَا تَغْدِرُوا ، وَلَا تُمَثِّلُوا ، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا...) رواهُ مسلم.
وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: (مَا قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا إِلَّا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ، وَنَهَانَا عَنِ الْمُثْلَةِ) رواه أحمد وأبو داود.
والْمُثْلَة والتَّمثيل: هي تشويه الجثة أو قطعُ عضوٍ من أعضائها.
قال ابنُ الأثير في "النهاية": "مَثَّلْت بالقَتيل، إذا جَدَعْت أنفه، أو أذُنَه، أو مَذاكِيرَه، أو شيئاً من أطرافِه".
قال ابن عبد البر في "الاستذكار": "فَالْمُثْلَةُ مُحَرَّمَةٌ فِي السُّنَّةِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهَا".
ويدخل في المُثلة: قطع رأس الميت.
قال السرخسي في "شرح السير الكبير" : "إبَانَةُ الرَّأْسِ: مُثْلَةٌ ".
ويشتدّ الأمر قبحًا إذا تمّ حملُها ونصبُها وعرضُها على مجامع الناس ليشاهدوها .
روى النسائي في "السنن الكبرى" - بسند صحيح كما قال الحافظ - عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَشُرَحْبِيلَ بْنَ حَسَنَةَ، بَعَثَاهُ بَرِيدًا بِرَأْسِ (يَنَّاقٍ الْبِطْرِيقِ) إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بِالرَّأْسِ أَنْكَرَهُ !.
فَقَالَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِنَا.
فقَالَ: " أَفَاسْتِنَانًا بِفَارِسَ وَالرُّومِ؟ لَا يُحْمَلَنَّ إِلَيَّ رَأْسٌ، فَإِنَّمَا يَكْفِينِي الْكِتَابُ والْخَبَرُ".
وفي رواية أخرى عند البيهقي أنه قال: (إِنَّمَا هَذِهِ سُنَّةُ الْعَجَمِ) .
وفي "سنن سعيد بن منصور" عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: "لَمْ يُحْمَلْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسٌ قَطُّ، وَلَا يَوْمَ بَدْرٍ، وَحُمِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَأْسٌ ، فَأَنْكَرَهُ ".
وقال في "النوادر والزيادات": " قال سحنون لا يجوز حمل الرؤوس من بلد إلى بلد ولا حملها إلى الولاة".
فكيف بما شاهدناه من لعبٍ وركل للرؤوس بالأقدام؟!! أو حرقها، أو نصبها في طرق الناس وساحاتهم؟ مع التلذذ بسفك الدماء والتمثيل بالجثث، في جرائم تشمئز منها النفوس السوية، والتي لم تُعرف عبر التاريخ إلا عمن شابههم في الإجرام والانحراف.
وما ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حُملت له بعض رؤوس أعدائه، كإتيانه برأس كعب بن الأشرف، أو الأسود العنسي، أو رأس رفاعة بن قيس، واحتزاز ابن مسعود لرأس أبي جهل في غزوة بدر، وحديث (الرجل الذي تزوج امرأة أبيه): فجميع الروايات التي فيها قطع الرؤوس واحتزازها ضعيفة، ولا يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم حُمل إليه شيء منها، وإنما الثابت قتلهم فحسب.
قال الإمام أبو داود السجستاني في "المراسيل": "فِي هَذَا أَحَادِيثُ عَن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ".
وما ذكره أهل العلم والتاريخ من بعض الحوادث التي حصل بها قطع رؤوس الأعداء في المعارك، فهذا إنما كان في أحوال خاصة لتحقيق مصلحة عظمى تقتضي ذلك، كاستنقاذ بعض المسلمين من الأعداء، أو رفع الحصار عنهم، ونحو ذلك.
قال السرخسي: "أكثر مشايخنا رحمهم الله على أنه إذا كان في ذلك كبتٌ وغيظٌ للمشركين أو فراغ قلبٍ للمسلمين بأن كان المقتول من قواد المشركين أو عظماء المبارزين: فلا بأس بذلك".
ومن ذلك ما ذكره الذهبي في "السير" من إحاطة الأعداء بجيش المسلمين، فقال عبد الله بن الزبير: "فخرقت الصف إلى جرجير (قائد المشركين) وما يحسب هو وأصحابه إلا أني رسولٌ إليه حتى دنوت منه، فعرف الشر فثار برذونه، فأدركته، فطعنته، فسقط، ثم احتززت رأسه فنصبته على رمح، وكبرت، وحمل المسلمون، فهرب أصحابه من كل وجه".
ونخلص من جميع ما سبق:
أنه لم يرد نص شرعي صحيح صريح يدل على جواز ذبح العدو حيًا، فضلاً عن أن يكون سنّة نبوية متَّبعة! وأنّ النصوص وردت بالتفريق بين القتل والذبح، وجعلت الذبح خاصًا بالبهائم.
ولو لم تصرّح النصوص نصاً على منع الذبح بالسكين؛ لما جاز فعله لما فيه من مفاسد كثيرة، من التنفير من الدين والصدِّ عنه، وتكثيرِ الأعداء وتأليبهم، قال الشاطبي في "الموافقات": "النظر في مآلات الأفعال معتبرٌ مقصودٌ شرعًا".
ونشره على الإعلام أشدُّ ضرراً، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يراعي في تصرفاته (الناحية الإعلامية)، فامتنع عن قتل بعض المنافقين حتى (لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ)، فصورة الإسلام في الأذهان أهم من "النكاية بالعدو"، فكيف إذا كان القتل بطريقةٍ تثير الاشمئزاز؟!!

وأخيرًا:
فإنَّ ما سبق من تأصيل إنّما هو في قتال المسلمين لأعدائهم الكفار أو المحاربين، أما ما تتداوله الأخبار والمواقع من تصرفات تنظيم (الدولة) في كيفية قتل معارضيه، فلا يمتُّ لهذه المسألة بِصلة.
فأين قتال المسلمين من تصرفات هؤلاء المجرمين في نحر المجاهدين وأهل العلم والجهاد أو عامة المسلمين بتهمة الردة، أو إخافة عامة المسلمين وإخضاعهم لدولتهم كما يزعمون؟
وأين الإحسان في القتل من تصرفات هؤلاء في جرّ الأسرى وسحبهم، وسبّهم وشتمهم، وإظهار التشفّي بهم قبل الذبح، مع الصياح والتهريج وإظهار النشوة والتلذُّذ بذلك، والمفاخرة به وعرضه على عموم الناس.
وجميع ذلك من محادة الله ورسوله بالقتل بغير حق، والإفساد في الأرض، ويكشف عن نفوس مريضةٍ مجرمة، وقلوبٍ قاسيةٍ متحجرةٍ، اتخذت الغلو مطية لها في تنفيذ مآربها ووحشيتها.
نسأل الله بحوله وقوته أن يرحم إخواننا المستضعفين في سوريا، وأن يقمع عدوهم،،
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع